تحالفات النواب: هل عندنا اغلبية برلمانية?!
بسام حدادين
19-10-2008 03:00 AM
لم نكن نحتاج الى استخلاصات جديدة من الانتخابات الداخلية لمجلس النواب (المكتب الدائم ولجان الاختصاص) كي نستنتج ان ليس لدينا في مجلس النواب, اغلبية برلمانية بالمعنى السياسي والبرلماني المعروف في الديمقراطيات البرلمانية. وان ما لدينا هو اغلبية عددية تتشكل من نواب انتخبوا فرادى بصفتهم الشخصية وليس على اساس سياسي او برنامجي وهم بذلك لا يحملون تفويضا سياسيا, وقد توافق هؤلاء النواب على مبايعة الباشا عبدالهادي المجالي "نقيبا" لهم وحملوه تفويضا سياسيا مفتوحا.
وجرى تجميع هذه الاغلبية العددية في كتلتين رئيسيتين هما كتلة التيار الوطني وهي العمود الفقري للاغلبية, وشقيقتها "في الرضاعة" كتلة الإخاء, التي تضم الجيل الثاني من النواب المتنورين لكن تنقصهم الخبرات السياسية والبرلمانية. وبالرغم من التنافر والتنافس الذي حصل بين الكتلتين في الشهور الاولى من عمر المجلس (صراع اجيال وليس سياسات او توجهات) ومحاولات كتلة الإخاء التمايز عن كتلة التيار والدخول في مناكفات معها؛ الا ان "المصلحة العامة" لكلا الكتلتين, شجعت التقارب وذوبت الفوارق ووحدت القلوب والاهداف. لكن في لعبة تقاسم كعكة الغنائم يبدو ان الامور تركت "سايبة" مما سمح بأشكال من التصفيات والانتقام (ابو هديب, ناريمان, العتوم). لقد نجحت الاغلبية العددية في بسط نفوذها المطلق على مجلس النواب وفرضت على انتخابات اللجان ارادتها الكاملة وصدع الجميع الى ارادتها الى الحد الذي نجحت فيه اثنتا عشرة لجنة بالتزكية على طريقة الحزب الحاكم. نحن امام اغلبية عددية متلقية وبالضرورة متساوقة مع السياسات الحكومية, ايا كانت الحكومة وايا كانت السياسات.
هذا في اطار الكتل النيابية المحظوة في اطار الاغلبية العددية اما الكتلة الوطنية (8 نواب) بزعامة النائب زياد شويخ المنشقة عن كتلة التيار الوطني في اطار "الصراع" على النفوذ والحظوة والتأثير عند الباشا عبدالهادي المجالي. فقد ظهر جليا انها تلقت تطمينات بأن تأخذ حصتها في انتخابات اللجان بعد ان تصادمت مع الشقيقة الكبرى حد التحالف مع نواب جبهة العمل الاسلامي في انتخابات رئاسة المجلس والمكتب الدائم. وظهرت هذه التطمينات, جلية في سلوك اعضاء الكتلة الذين سهلوا مهمة انجاح عشر لجان بالتزكية من خلال الانسحاب وتسهيل "التوافق" وقد نجح جميع مرشحي الكتلة الوطنية الذين خاضوا انتخابات اللجان, ليحل الوئام محل الخصام وتلتحق الكتلة الوطنية مع شقيقاتها في تشكيل الاغلبية العددية والتناغم معها. وسبحان الذي يغير ولا يتغير!.
اما المستقلون او ما يطلق عليهم لقب "الاقطاب" او "الكفاءات" او "العتاقى" فقد عُزلوا وعَزلوا انفسهم, فقد احتلوا موقع المتفرج بلا حول ولا قوة, مكتفين بالتعليقات الساخرة والترحم على ما آل اليه مجلس النواب من فقدان للوزن والدور، مراهنين على "الميدان" الذي سيعيد لهم الوزن والدور.
فهؤلاء النواب لم يترشحوا لاي من مواقع المجلس او اللجان لانهم لا يملكون فرصة الفوز وبعضهم رفض الموقع (الدغمي) لحسابات وموقف من سياسة التمحور لمجاميع الاغلبية العددية. المحزن ان هؤلاء "العتاقى" اصحاب الخبرة والتجربة والنزعة الاستقلالية, متنافرون يغلبون خلافاتهم وحساباتهم "الخاصة" على حساب العمل الجماعي المنظم. ويكتفون بالتناغم والتنسيق "بالقطعة" في الميدان (تحت القبة) ولا يفوت بعضهم فرصة أخرى اذا ما لاحت فرص مناسبة.
هؤلاء "الزعماء" الافاضل يرفضون الالتقاء على قواسم مشتركة سياسية وبرلمانية ويعملون معا في اطار لعبة ديمقراطية نظيفة الاهداف والوسائل.
لو انهم يفعلون ذلك سيغيرون وجه مجلس النواب ويرتقون بدوره وقدرته التأثيرية على السياسات الحكومية. مع كل ذلك, لا تستطيع الاغلبية العددية تجاوز القمم العالية في وسط تيار المستقلين ولن تتمكن منفردة من ادارة دفة المجلس سياسيا وتشريعيا من دون "خضات" او "ازمات" تتطلب تدخل الوسطاء.
الحالة التي وصل اليها مجلس النواب, لا تسر احدا حتى الرئيس عبدالهادي المجالي لا يرغب في بناء الحواجز بين كتل واعضاء المجلس او في ادامة حالة الانقسام "الشاقولي" بين كتل الاغلبية العددية وبقية اعضاء مجلس النواب وهم يشكلون ثلث المجلس على الأقل.
المصلحة العامة تقتضي تبريد الرؤوس ومحاصرة النزعات الاقصائية والاستئثارية عند بعض متنفذي الاغلبية العددية ومد جسور الحوار والتفاهم على ادارة ديمقراطية لعمل المجلس وانفتاح سياسي بين فعالياته للنهوض بدور المجلس في الاطار التشريعي والرقابي. فلا مصلحة لاحد داخل المجلس او خارجه في بقاء صورة مجلس النواب مهلهلة امام الرأي العام. فهيبة المجلس من هيبة الدولة.
مطلوب من الباشا عبدالهادي المجالي ان لا يستسلم للنزعات الاستئثارية, التي يبحث اصحابها عن ادوار لهم وليكن من بعدهم الطوفان.
وليعلم الجميع... انه كلما ظهر اداء مجلس النواب مستقلا ومتوازنا, ككان دوره ايجابيا ومسؤولا في تبني السياسات العامة للدولة "ودوزنتها" والحد من اندفاعاتها الاحادية الجانب.
فالنواب... كل النواب بالرغم من كل شيء يتمتعون بانتماء كبير لبيئاتهم الاجتماعية وهم حريصون على الدفاع عنها في اطار المصلحة العامة وليس بين مانحي الثقة للحكومة من "ثوريين" يريدون الانقضاض على السياسات المستقرة.
bassam.haddadin@alghad.jo
...