روسيا واليابان و «جزر الكوريل»
د.حسام العتوم
20-12-2016 12:03 AM
زيارة رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير فلاديميروفيج بوتين الى طوكيو التي تمت نهاية الاسبوع الفائت هدفت الى العودة لفتح ملف (جزر الكوريل) العالق من دون حل مقنع للطرفين الياباني والروسي منذ نهاية الحرب الوطنية العظمى (الثانية) عام 1945، ولقد سبق ان التقى بوتين هذا العام برئيس وزراء اليابان شينزوابي في مدينة (فلاديفستوك) الروسية حسب وكالة (بلومبرغ)، وتم الاتفاق على البحث عن صيغة جديدة عادلة لمسألة الجزر هذه، وتلقى الرئيس الروسي حينها دعوة أكيدة للوصل إلى طوكيو العاصمة وفق برنامج عمل جديد وضمانات سيادية نافعة تصب في الصالح القومي لكل بلد منهما.
والجهة التي تثير قضية جزر الكوريل (كوناشير، وايثوروب، وهامبوماي، وشيكوتان) اكثر هي الجانب الياباني من منطلق سيادي بحت بينما يصر الجانب الروسي بأن قضيتهم جزءٌ لا يتجزأ من سيادة البلاد الروسية العملاقة البالغة مساحة اكثر من 17 مليوناً من الكيلومترات المربعة، و تتلاحم مع تاريخ الحرب الوطنية العظمى أي الثانية التي كلّفت روسيا السوفيتية ومعها باقي السوار السوفيتي قرابة 27 مليون قتيل، في زمن فرضت فيه النازية الالمانية بقيادة ادولف هتلر الحرب المسعورة عليهم ولم يختاروها، وفي وقت اختارت فيه اليابان الاصطفاف الى جانب تحالفات هتلر وواجهت السوفييت بقيادة روسيا وأمريكا والحلفاء خسرت الرهان وتسبب في تصعيد الخلاف مع (واشنطن) حول معاهدة (بوتسدام) قرب برلين عام 1945 التي حضر توقيعها الرئيس الامريكي هاري ترومان، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون شرشل، ورئيس الوزراء السوفييتي جوزيف ستالين، وادى بها المطاف لاستخدام امريكا لقنبلتها الذرية الاولى (الملقبة بالولد الصغير) ضدها وقصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي عام 1945 لإجبارها على الاستسلام الكامل، وكان لأمريكا ذلك وتسببت في مقتل ما مجموعة 220 الفاً من اليابانيين المسالمين، وفي المقابل لازالت روسيا المعاصرة تقول بأن الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين لو امتلكها أي (القنبلة الذرية) في زمن الحرب الوطنية العظمى تلك لما استخدمها.
ولقد سبق للرئيس الاسبق لروسيا (بوريس يلتسين) ان زار اليابان عام 1993، وعندما اثيرت قضية جزر الكوريل امامه قال بأنه لا يستطيع ان يفتي فيها وإلا فإنه يسجن فور وصوله لبلادة روسيا او حتى يمنع من العودة اليها، وسبق ايضاً لرئيس الوزراء الروسي انذاك دميتري (ميدفيديف) ان زار جزر الكوريل المتنازع عليها، وأثار ضجة وسط اليابان وأعلامهم، وقال ميدفيديف وقتها بأن موقف روسيا بسيط ويكمن في البحث عن صداقة مع اليابان الجاره القريبة، وكرر قوله بأن الجزر هي جزء من روسيا الاتحادية.
وهكذا نلاحظ وبدقة متناهية كيف ان اليابان حريصة على اثارة قضية (جزر الكوريل) المختلف عليها مع روسيا (كل ما دق الكوز بالجرة)، كما يقول مثلنا الاردني، وهنا اتساءل عن اهمية هذه الجزر الى جانب موقعها السيادي لكل من اليابان وروسيا، وعن عمقهم التاريخي واجيب ذات الوقت: (انها تتألف من اربع جزر تقع بين شبه جزيرة كامتشكانا الروسية وجزيرة هوكايدو اليابانية، وتمتد هذه الجزر على شكل قوسين تفصل بحر اخوتسك عن المحيط الهادئ، وتشكل ما مساحته 200 كم الى 15,5 الف كم2، ويبلغ عدد سكانها اكثر من 20 الف نسمة، وهي تابعة ادارياً لمقاطعة سخالين الروسية حالياً، ولحاضرهن علاقة مباشرة بهزيمة اليابان الساحقة في الحرب العالمية الثانية التي يطلق عليها الروس مصطلح (العظمى)، وتمتلك ثروات نفطية وغازية ومعادن، الى جانب ثروتهن البحرية بطبيعة الحال، ولا نعلم بدقة ان كانت روسيا المعاصرة بالفعل عرضت على اليابان اعادة جزيرتين منهما لطي صفحة الخلاف حولهما او ان كانت اليابان قد عرضت على روسيا ضمان امن السكان الروس فيهن حالة اتخاذ قرار روسي بإعادة كافة الجزر، وهو امر مستبعد بكل تأكيد ولن يقبل به الرئيس بوتين ولا مجلس الامة نواباً وأعياناً، وفي المقابل تعتبر جزر الكوريل هذه موقعاً استراتيجياً عسكرياً لروسيا نشرت فيها مؤخراً منظومة من صواريخها (باستيون وبال) تحت احتجاج ياباني اعرب عنه رئيسة وزراءها شتينزو ابي.
وهل كان من الممكن ان لا تزج اليابان كيانها في حرب خاسرة كما الحرب العالمية الثانية (العظمى) غير محسوبة النتائج بدقة؟، وهل كان من الممكن لإمبراطوريتها ان تواجه امبراطورية الولايات المتحدة الامريكية وإمبراطورية الاتحاد السوفييتي بعد طمعها بالتحالف مع امبراطورية ادولف هتلر النازية الفاشلة؟ وماذا سيقول امبراطور اليابان (اكيهيتو) هذه المره حول (جزر الكوريل) وبعد ان وصل حجم التبادل التجاري بين بلده وروسيا الى 30 مليار دولار؟
إن من اهم نتائج الحرب العالمية الثانية (العظمى) التي انتهت بانتصار دول الحلفاء (الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة الامريكية، الصين، المملكة المتحدة، فرنسا)عام 1945 على دول المحور المتحالفة مع هتلر هو انشاء الامم المتحدة United Nations ومجلس الامن الدائم العضوية التابع لها، وظهور الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية كقوتين عظميين على الساحة الدولية، وتراجع النفوذ الاوروبي وتحالفه لاحقاً مع امريكا، واندلاع الحرب الباردة العلنية بين الغرب والشرق وبالعكس، وتصاعد سباق التسلح، وارتفاع منسوب التنافس التكنولوجي ومنه العسكري، وانقلاب معادلة الصراع العلني الساخن مع امبراطورية هتلر، الى منازلة ساخنة بين السوفييت والاميركان بسبب رغبة واشنطن ربما لرفض ظهور قوة تنافسها، ومواصلة استمرار الحرب البادرة وتحولها الى سرية بين امريكا وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991،
وإصرار امريكا على سيطرة قطبها الواحد على العالم وعلى كافة المستويات الاقتصادية والإعلامية وغيرها، وصعود نجم روسا الاتحادية كقطب قوي متوازن عسكرياً مع امريكا، وداعي لعالم متعدد الاقطاب مع رفض بقاء صورة القطب الواحد الذهنية تدور ارض العالم، والوصول حالياً بعد صعود دونالد ترامب للسلطة في واشنطن الى معادلة الند بالند وتقديم التعاون على الصراع.
والآن وقد اتجهت عيون العالم من جديد الى طوكيو حيث عقد اللقاء الاهم بين الرئيس بوتين والقيادة اليابانية لحسم حاضر ومستقبل (جزر الكوريل) العالقة في عمق التاريخ مع ضرورة البحث عن طروحات جديدة تعمل على ترطيب العلاقات اليابانية الروسية، ولقد اكد الرئيس بوتين مؤخراً بأن المخرج الحقيقي يكمن في توسيع عرى التعاون بهدف تثبيت اواصر الثقة والاحترام المتبادل، وسيبقى الموضوع السيادي للجزر بالنسبة لروسيا المعاصرة ورثية روسيا السوفيتية خط احمر، وأكثر ما يقلق الروس في المقابل ومن وسط الحرب البادرة التي تتمنى لها ان تزول هو الانتشار الامريكي العسكري في المحيط الهادي بمحاذاة الحدود الروسية في الشرق الاقصى، وتلتزم موسكو بقرار الامم المتحدة الصادر في اعقاب الحرب الوطنية العظمى (الثانية) المثبت لحقوق كافة الدول المنتصرة في الحرب ومنها روسيا في موضوع جزر الكوريل، وتؤكد بأن اعلان اليابان دخول الحرب 1939 ومهاجمتها الصين اولاً ثم امريكا، وتحرشها بالاتحاد السوفييتي مراراً عبر التاريخ، وخسرانها الرهان في وقته وضعها في زاوية حرجة الان، ومع هذا وذاك لا زالت اليابان تتحرك بمشاعر عام 1855 عندما كانت الجزر الجنوبية (ايتورول، ومكوشانير، وشيكوشان، وخامبومان) يابانية الاصل، ولدى القيادة اليابانية الجديدة تطلعات جديدة باحثة عن السلام والأمن وتطوير الاقتصاد، وأخذة بعين الاعتبار التفوق العسكري الروسي بكل تأكيد.
يفغيني بريماكوف وزير خارجية الفدرالية الروسية صرح انذاك بأن اليابانيين يشاركون في المفاوضات مع روسيا حول الجزر الجنوبية بقساوة، ووزير الخارجية الروسي الحالي سيرجي لافروف اعلن عام 2005 بأن مسألة الجزر المختلف عليها مع اليابان ليست سهلة، ورغم ان الجانبين الروسي والياباني يعيشان من دون معاهدة سلام حتى الساعة فأن هذا الامر لا يعيق تطوير العلاقات بينهما.
ومن جانب اخر نقلت وكالة (ريا- نوفستي) عن السيناتور كليموف قوله بأن سيادة روسيا على جزر الكوريل لا غبار عليها ومنح كامل الحقوق للمواطنين اليابانيين، في العيش والعمل في هذه الجزر ممكن، وهو امر روسي ودولي ولا يتعارض مع دستور الفدرالية الروسية، فيما اكد الرئيس الروسي لإعلام بلادة بأن روسيا لا تتاجر بأراضيها، و معتبراً اليابان حليفاً محورياً هاماً في المحيط الهادي، ومن الممكن تطوير افاق العلاقات معها وعلى كافة المستويات.
الراي