لم يكرم محمد طمليه في حياته بما يليق بابداعاته ، ومن جانبي ،فقد قررت نزع اللوحة الملصقة على سور منزلي ،وتحمل اسم الشارع ،لشخص لا اعرفه ولم اسمع به من قبل ،وسأضع لوحة بديلة اكتب عليها "شارع محمد طمليه " لكي اتذكره صباحا ومساء، الى ان تقرر الامانة اطلاق اسم محمد على احد شوارع عمان ،وان كنت افضل تسمية حديقه باسمه، لكي يحفظ اسمه الاطفال والعشاق .!.
كنت انظر الى جثمانه الضئيل المحمول باتجاه مقره الدائم، واظن ان السؤال الذي كان يدور في اذهان المشيعين ، كيف يمكن لهذا الكاتب المدهش الذي عاش نصف قرن ونيف متمردا على كل الطقوس الرتيبة في الحياة ، وكان يرفض الاستقرار الى درجة انه" نسي" ان يتزوج ،كما قال في مقابلة صحفية ،كيف يمكنلروحه ان تستقر في "مكان اقامته الدائم"،وهو كان دائم الحركة على الارصفة وفي زقاق الاحياء الشعبية والمخيمات ووسط المدينة ،ليغرف ابداعاته من هموم الفقراء والبائسين والمهمشين ،ويرسمها في مقالة قصيرة ساخرة موجعة ، تغني عن قراءة كتاب كامل !.
وقد اكتسب بالاجماع صفة رائد الكتابة الساخرة في الاردن،واجزم انه كان من بين أميز الكتاب العرب والعالميين الساخرين ،لكنه لم يأخذ فرصته من الانتشار والشهرة ،فهو اصلا لم يكن يحفل بوهج المهرجانات والبروبغاندا،والبحث عن بطولات ،لكن همه الاول كان التعبير عن معاناة اصدقائه الحقيقيين ..الفقراء ،فمن بينهم كان يختار شخوص كتابته لعل اشهرهم "ام العبد "!.
لم اسمع او اقرأ عن انسان تصدى لمرض السرطان ،لمدة تقارب خمسة اعوام بشجاعة نادرة وارادة صلبة ،كما فعل محمد طمليه، لقد كان صمود محمد اسطوريا في مواجهة المرض وخاض ضده قتالا شرسا ،ب"السلاح الابيض"،وهو القلم ،حيث كان ينقل معاناته ووجعه ومراحل علاجه بالكيماوي بكلمات تدمي القلب،وقد بقي صامدا في جبهة الكتابة حتى الرمق الاخير ،الى ان فقد الوعي ودخل في غيبوبة قبل ايام من رحيله !.
يقال ان المرض رحمة ،قد يوضع في سجل حسنات الانسان،ولا ادري ان كان يمكن اعتبار محمد طمليه" شهيدا"،فقد تعامل مع اشرس مرض ب"صبر ايوب" ،وبطريقة مختلفة واستثنائية ، ولا اظن ان اي جندي في ميدان المعركة قد واجه ما اصاب محمد من عذاب المرض !. ولد ساخرا ،حتى مقالته القصيرة كان يكتبها بحروف صغيرة جدا ، الكلمة بحجم نملة ،وكانت أسطره تمشي مائلة من اليمين الى اليسار باتجاه الاعلى ،فكانت مقالته اليومية لا تزيد عن نصف صفحة اشبه بكاريكاتور !.أصدر ذات عام مع شقيقه الراحل اسماعيل ،صحيفة ساخرة اسماها" الرصيف "،وكنت في حينه اعمل في موقع يجيز لي نشر اعلانات في الصحف ،فبحثت عن"الرصيف " لمدة ثلاثة ايام لكي انشر الاعلان في الرصيف ،حيث لا رقم هاتف ولا صندوق بريد ،ولا عنوان واضح للصحيفة ،وبعد معاناة شديدة عثرت عليه ،فقد استأجر شقة مقرا للصحيفة في منطقة شبه نائية على اطراف عمان ،وحتى اسم المنطقة "طاب كراع " لا يخلو من طرافة !.
نموذج محمد لا يتكرر ولا يمكن استنساخه،فهو نسيج وحده !.
Theban100@ hotmail.com