يحكى ان احد الخلفاء العباسيين كان يسري عن نفسه ذات ليلة ربيعية في حدائق قصره الغناء على ضفاف دجلة وبرفقته وزيره الاول وقد هبت نسائم عليلة فبدا الخليفة منشكحا آخر الانشكاح ...
تجشأ وحمد الله وقال لوزيره الاول : لقد كان الصحن الرئيسي على مائدة غدائي اليوم الباذنجان ... يا الله ما اروع الباذنجان !!
تنحنح الوزير الاول ايذانا بالكلام وقال : يا مولاي الخليفة ... لله در الباذنجان ما أطيبه فهو طعام شهي متعدد الاوجه في التحضير للطعام .. فهو يطبخ حشوا بالارز ثم يعد مقليا ومشويا ...واخوتنا في بلاد الشام يحضرون منه " المتبل " بعد ان يشوه بالنار ويخلعوا عنه قشرته المحترقة ... ثم يخفقوه مضافا اليه الليمون والطحينة السمسمية والبقدونس وعدد من فصوص الثوم ... وبعضهم يضيف اليه ايضا قليلا من اللبن ويسكبوه بعد ان يضعوا على وجهه زيت الزيتون الشهي !!
كما انه يقلى ... فيؤكل لوحده بعد اضافة السماق عليه ... ثم يستخدم لتحضير ما يطلق عليه " المقلوبة " وهناك يا مولاي وجبة منه تسمى " المنزلة " كما ان اهل الشام ينفردون دون غيرهم بتقطيعه شطائر مستطيلة فيضعون على الاولى لحما مفروما وصنوبرا ويغطونه بقطعة أخرى ... والبعض يضيف اليه قليلا من الماء ...
والبعض الآخر يضيف عصير رب البندورة ــ كل حسب رغبته ـــ ويضعونه في " البايركس " ثم يزجون به في الفرن وعلى نار هادئة ... وبعد الاستواء فاذ به طعاما شهيا مريا ... سأل الخليفة باندهاش :
وما هو البايركس يا رجل ؟؟ أجاب : انه وعاء زجاجي انفردت بصنعه فرنسا من بلاد الفرنجة ... وان وضع الوعاء في النار يبقى صامدا لا يلحق به اي اذى !!
وتابع الوزير الاول : ومن اغرب ما ذقت من اصناف الباذنجان يا مولاي ... ما يسمى " بالمقدوس " يتم تفريغ ما في جوفه .. ثم يحشى بالجوز والصنوبر والثوم ... ويوضع في " قطرميز " ... وتغطى كمياته بزيت الزيتون العجلوني الرائع ... أو البلقاوي النقي ... أو بالزيت المنتج من الكرك والطفيلة جنوب بلاد الشام ... لكن يا مولاي من اروع انواع الزيت ذلك المنتج من منطقة الكفارات من اعمال منطقة اربد .
واروع انواع الباذنجان يا مولاي ... ما يطلق عليه ب " البتيري " نسبة الى بلدة بتير ... الواقعة في خاصرة مدينة بيت المقدس ... وهناك بلدة مماثلة لها من اعمال الكرك .
رفع الخليفة حاجبيه مستغربا وقال : يا وزيرنا الاول ... من اين لك كل هذا العلم بشؤون الباذنجان ؟؟ فرد عليه وزيره قائلا : اطال الله في عمر مولانا الخليفة وابقاه ... فقبل ان احظى بشرف الخدمة معك يا سيدي ... قيض الله لي الحج مع قافلة من الاهل والاقارب ... وفي طريق العودة عرجنا على بيت المقدس لكي نكسب اجر شد الرحال الى المساجد الثلاثة التي ندبنا الرسول عليه السلام الي زيارتها ... فاستضافنا وجهاء بيت المقدس وعرفنا منهم مآثر المقدوس ... وفي طريق عودتنا الى عاصمة ملكك السعيد سلكنا الطريق الى الشام ... وهناك حي معروف يطلق عليه " الميدان " فاستضافنا علية القوم وهم كأخوتهم ببيت المقدس كرام الانفس يحرصون على وفادة قوافل الحجيج وسقايتهم ... ورأينا منهم كل طيب .. ثم توجهنا الى تدمر ومنها الى دير الزور وهذه البلدة يا مولاي السلطان من اجمل المدن النهرية التي رأيتها أو سمعت عنها خلابة وهي جنة الله في الارض اذ يخترقها نهر الفرات فيكسبها جمالا أخاذا ووداعة لا نظير لها ... الى ان توجهنا الى القائم ومن ثم الى بغداد .
ابدى الخليفة رضاه وغبطته بما سمع من وزيره الاول ... الذي استأذنه بالانصراف .. فاذن له حيث اوشك الليل على الانتصاف . وبعد نحو شهر ... كان الوزير الاول يرافق الخليفة في جولته وسمره في حدائق قصره على ضفاف دجلة ...فتجشأ الخليفة وقد اكفهر وجهه ... فارتبك وزيره الاول وسأله : ما بك يا مولاي ؟ فأجابه : لقد أكلت الباذنجان وتلبكت معدتي ... وتعبت ... فرد الوزير الاول على الفور : قاتل الله الباذنجان يا مولاي .. انه من أسوأ الطعام ... فلا فائدة غذائية ترجى منه .. الا يكفى اسوداد وجهه او ازرقاقه ؟؟ وفي معظم الاحيان يكتنز جوفه ببذور غالبها مر المذاق مما ينفر المرء منه ويجعله يمقته ؟؟
هنا .. بهت الخليفة وباغت وزيره الاول بسؤاله : ألست انت الذي مدحت لي الباذنجان قبل شهر وعددت صنوفه وحسناته ؟؟ أجاب الوزير الاول : نعم يا مولاي ... لكن أدام الله ملكك وارغد عيشك .. انا وزيرك الاول يا مولاي ولست وزيرا للباذنجان !!
ssakeet@hotmail.com