هتافات تعبث بنواميسنا الوطنية…!
حسين الرواشدة
19-12-2016 03:05 AM
الهتافات التي سمعناها تتردد من فوق مدرجات “الرياضة” في مباراة الفيصلي والوحدات ليست جديدة ولا مفاجئة ولا معزولة عن سياقات ووقائع أخرى صدمتنا على امتداد الأيام الماضية.
ليست جديدة لأنه سبق وسمعناها عشرات المرات، وليست مفاجئة لأننا تجاهلناها وصمتنا عنها ولم نتحرك باتجاه ادانتها كما هو مطلوب أو الرد عليها بالشكل الصحيح، وليست معزولة عن سياقاتها لانها تزامنت – في هذا الشهر تحديدا- مع وقائع أخرى من ذات “الفصيلة” منها ما حدث تحت قبة مجلس النواب من احاديث حول “المكونات” وما جرى في جامعاتنا من مشاجرات تحت لافتة “الديموغرافيا” وما حفلت به بعض وسائل اعلامنا من صرخات تحرض على الكراهية والتعصب.
يمكن ان نسأل هنا: هل يجسد ما سمعناه حقيقة “الذات” الأردنية الاصيلة، ام انه يعكس حالة من التراكمات التي يعاني منها مجتمعنا “المجروح”، ام انه مجرد “أصوات” ناشزة تريد او تتعمد ان تستفز مشاعرنا، ام انه أصداء تقمصت ما يحدث خارج بلادنا من صراعات على تخوم الطائفة والمذهب. باختصار هل يكشف ما يعتمر داخل مجتمعنا من أزمات وخيبات ومظلوميات وربما استحقاقات قادمة، ام انه يتناقض تماماً مع حقائق تاريخنا وواقعنا ومستقبلنا المشترك؟
اذا تجاوزنا –هنا- واجب الرفض والادانة، وانطلقنا من مبادئنا وقيمنا المشتركة القائمة على وحدة الهدف والمصير والمواطنة الحقة، باعتبارهما الأساس لعيشنا المشترك وأمن بلدنا ومستقبله، فان فهم ما حدث يحتاج الى نقاش طويل، ليس فقط لمواجهته والانتصار عليه، وانما أيضا لمعرفة العلل والامراض التي نعاني منها والاعتراف بها تمهيداً للتعامل معها بمنطق الحل لا بمنطق الاستخدام “الضار” او التجاهل المريب.
في اطار هذا الفهم استأذن بتسجيل عدة ملاحظات، الأولى ان مجتمعنا ما زال يعاني من “قلق” الهوية، صحيح ان القوانين حسمت قضية من هو الأردني من خلال الجنسية وتبعاتها، لكن الصحيح أيضا ان قضية المواطنة والوطنية لم تحسم بعد، فما زال البعض يتصور الأردن- الدولة ليست قضيته الا في اطار ما يحصل عليه من مكاسب وامتيازات، وما زال اخرون يعتقدون ان القضية الأردنية ليست أولوية بالنسبة لهم، فيما يصر فريق ثالث على المحاصصات والمظلوميات، ويخشى طرف رابع من هواجس التهميش والانقراض، ووفق هذه الجدليات يبقى قلق “ الهوية “ في غياب المشروع الوطني للدولة عاملا مهما في تأجيج نوازع التعصب والخوف وربما الكراهية، كما انه قد يوظف من قبل بعض الأطراف في تحصيل المزيد من المكاسب او التمهيد لاستحقاقات مشبوهة.
الملاحظة الثانية تتعلق بالذات او بالشخصية الاردنية التي اتسمت تاريخيا بالنخوة والاعتدال ومحبة الاخرين واحترام الضيف، وتقدير الأواصر العربية والدينية، وهذا ما انعكس على النظام السياسي وعلى الدولة الأردنية أيضا، لكن هذه الشخصية تعرضت على مدى عقود ماضية لاصابات من الداخل كما تأثرت بما يحدث في المحيط، فاصبحت تميل للحدة والعنف، وربما شعرت بلحظة ما بعد ان اصطدمت بانسداد السياسة وعسف الظروف الحياتية بانها مجروحة وغير قادرة على التحمل، فأفرزت اسوأ ما فيها من مكبوتات، واستقالت من القيم والفضائل التي كانت مصدر اعتزازها في السابق لحساب غرائز مثيرة او هواجس غير مفهومة .
أما الملاحظة الثالثة فهي ان اسوأ وصفة يمكن ان نصرفها او نقبلها لبلدنا هي وصفة الانقسام على أي أساس، ديني او ديموغرافي او طبقي، ليس فقط لان تجربة غيرنا مع هذه الوصفات قاتلة ومفزعة، وانما لان مثل هذه القابلية للانقسام، أصبحت واردة وموجودة لدينا للأسف، ولنا ان نتصور فقط لو أن مجتمعنا مثلا تعرض لحدث كبير -لا سمح الله – كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة بيننا وانكشاف اجنداتنا وحدة خطاب الكراهية الذي يتبناه “ بعضنا “.
تبقى الملاحظة الأخيرة وهي ان ثمة من يريد ان نعيش دائما تحت “ قلق “ الهوية وان نتلاوم ونتشاكس: من هو الاردني ومن هو غير الأردني، من هو الوطني الأصيل ومن هو الوطني البديل، وثمة من يحاول ان يوظف مثل هذه الفزاعات لابقائنا وسط دائرة الخوف في الحاضر وعلى المستقبل، واقناعنا باننا لا نستحق الا ما نحن عليه، ولا نستأهل الا ما فعلناه بانفسنا او ما فعلوه بنا، وكأننا نحصد ما زرعوه ليس اكثر.
هذه الهتافات التي نسمعها على المدرجات، وكذلك الخطابات التي تتردد في الصالونات والمنابر، ليست مخجلة فقط، وانما خطيرة أيضا، فهي تهدد سلامة مجتمعنا، وتستفز وجداننا، واخطر ما فيها ان تصبح جزءا من ثقافتنا العامة، وان لا نجد من يعاقب عليها او يسأل أصحابها : لماذا تعبثون بنواميسنا الوطنية بهذه الصورة ؟ ثم يسأل من يهمه الأمر: كيف تسمح لهؤلاء ان يذهبوا الى بيوتهم دون ان يحاسبهم أحد؟
الدستور