السياسة علم وفن وقراءة جيدة للتاريخ والجغرافيا وسايكولوجية الشعوب .
الصهاينة انتصروا على العرب لأجادتهم ألاعيب السياسة وليس بالسلاح وحده الذي حصلوا عليه من دول اوروبا الغربية والشرقية وامريكا,بينما خسر العرب معظم معاركهم مع كيان بدأ كطفيل ,نما وترعرع وتغذى على اخطائنا واختلافنا ,حتى صار فايروسا فتاكا يأكلنا بوحشية ويطمع في المزيد غير مكتف بابتلاع ارض فلسطين والجولان ولكنه ينظر من الفرات الى النيل او ما يزيد ,وفقا لبروتوكولات حكماء صهيون والشريعة التوراتية التي يتلونها في بيوتهم ومدارسهم كل صباح ,ويقول لهم كهنتهم: كل مكان تدوسه بطون اقدامكم يكون لكم وأباحوا لهم دماء الشعوب من اجل ذلك .
وهم يقولون عنا اننا لا نقرأ واذا قرأنا لا نفهم .
ننظر لمثال آخر عن السياسة ففي منتصف ثمانينات القرن الثامن عشر رفع السفير الفرنسي لدى بريطانيا الى حكومته مذكرة عجيبة ,توقع الرجل ان انجلترا على ابواب ثورة هائلة تماثل تلك التي شهدتها البلاد قبل اقل من قرن من الزمان .
كتب السفير ان الجرائد والمنتديات تفيض بالرسوم الساخرة التي تتناول الاسرة المالكة بالنقد والتجريح .
قال : ان وضعا كهذا لا يمكن ان يستمر وان انقلابا في نظام الحكم على وشك الحدوث .
نعرف اليوم ان الثورة لم تقم في انجلترا بل في فرنسا البلد التي جاء منها السفير .
حدث ذلك بعد سنوات قليلة من كتابته هذا التقرير .
نعرف كذلك ان فرنسا لم تكن تسمح بهذه الحريات التي تتيحها انجلترا بل كانت تضع الملك والاسرة المالكة في مقام يعلو على اي انتقاد او سخرية ,في المقابل تتمتع بريطانيا بتقليد اجتماعي سياسي راسخ ومستمر يتيح السخرية من الحكومة وممن يتولون المناصب العامة .
حرية التعبير قيمة انسانية غالية ربما لا تعد لها قيمة اخرى ,هي ترتبط بأسمى ما يميز بني الانسان
تعتمد حرية التعبيرعلى التفاعلات الاجتماعية وعن طريق التواصل يستطيع الفرد خلق علاقات وترابط مع الآخرين ,وبالدخول في مناقشات مع الآخرين سوف يساهم الفرد في تطوير المعرفة في المجتمع .
ترجع بدايات الرأي والتعبير الى القرون الوسطى في بريطانيا بعد الثورة التي اطاحت بالملك جيمس الثاني ونصبت الملك وليام الثالث والملكة ماري الثانية على العرش عام 1688وبعد سنة من هذا اصدر البرلمان البريطاني قانون حرية الكلام في البرلمان,وبعد عقود من الصراع في فرنسا وعقب الثورة الفرنسية عام 1789تم اعلان حقوق الانسان والمواطن ,على ان حرية الرأي والتعبير جزء اساسي من حقوق المواطن ,وكانت هناك محاولات من الولايات المتحدة الامريكية في نفس الفترة الزمنية لجعل حرية الرأي والتعبير حقا اساسيا للجميع ,ولكن الولايات المتحدة لم تفلح في تطبيق ما جاء في دستورها 1776و1778من حق حرية الراي والتعبيرحيث حذفت هذا البند عام 1798واعتبرت معارضة الحكومة الفدرالية .جريمة يعاقب عليها القانون ,ولم تكن هناك مساواة بين السود والبيض .
الضمير مهم ان يكون الانسان حرا في اعتناق ما يراه من افكار وآراء ,ربما اكثر اهمية ان يسمح له بالتعبير عن هذه الافكار بحرية .
اذا اتسعت المسافة بين ما يؤمن به الانسان في قرارة نفسه وبين ما يستطيع التعبير عنه في العلن ,نصير امام ازمة ,ازمة ضمير المجتمعات التي تتبنى حرية التعبير وتحاول معالجة هذه المعضلة الجوهرية .
تسعى لتضييق الفجوة بين ما يعتنق الانسان من آراء وبين ما هو مسموح له بأذاعته في العلن وعلى الملأ ,هذه المجتمعات ليست فقط أكثر حرية بل هي ايضا اكثر استقرارا .
ان حرية التعبير هي مدخل رئيسي لسلام المجتمع واستقرار السلطة .
المجتمع المستقر هو ذلك المجتمع الذي تزدهر فيه حرية التعبير ,ليس فقط لانه يكون لدى السلطة فرصة كاملة للوقوف على حقيقة مشاعر الناس وافكارهم ازاءها لكن لأن الناس انفسهم يكونون اكثر انسجاما مع ضمائرهم ويعبرون بحرية عما يعتمل في صدورهم وما يدور في رؤوسهم .
هذا يجعلهم بشرا افضل يربي داخلهم شعورا انسانيا مليئا بالكرامة والرضا عن الذات .
حرية التعبير هي صورة من صور الكرامة ,لا يعني هذا باي حال من الاحوال ان الامر هين .
حرية التعبير شأن جد خطير .
المجتمعات الانسانية عرفت مبكرا خطورة الكلمات .
الكلمة يمكن ان تودي بحياة الآلاف والملايين ويمكن ان تهدم نظاما اجتماعيا كاملا .
لهذا السبب دأبت المجتمعات على تحصين نفسها من الكلمات ومن تأثيرها الساحر والمدمر – اذا ذاعت بين الناس – على استقرار النظم .
بامكاننا النظر الى التاريخ البشري باعتباره حلقات متصلة من قمع حرية التعبير حيث لم تنج دولة او حضارة من ممارسة هذا القمع .
كان الهدف دوما هو صيانة النظام العام وحماية المؤسسات التي تعبر عنه دينية كانت ام سياسية .
التاريخ زاخر بالحوادث نلاحظ مثلا ان للكنيسة الكاثوليكية بدورها باع طويل في القمع ربما تميزت الكنيسة عن غيرها بمأسسة قمع حرية الضمير فيما يعرف بمحاكم التفتيش .
ازمة المجتمعات مع حرية التعبير قديمة باستثناء فترات قصيرة وشاذة من الاستنارة والتسامح ,كما الحال في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد ,فالاصل كان المنع لا التسامح والحظر وليس الاباحة .
لقد قطع البشر طريقا طويلا ومتعرجا قبل ان تظهر مجتمعات تتبنى حرية التعبير كطريقة حياة .
هذه المجتمعات على وجه التحديد هي التي صنعت النهضة العلمية والحضارية لعالمنا المعاصر .
ليس صدفة ان هذه النهضة تبلورت في بريطانيا اكثر من اي مكان آخر .
رغم ان جاليلو هو ابو العلم الحديث الا ان النهضة العلمية والصناعية ولدت في بريطانيا وليس في ايطاليا .
السبب بسيط هو تعرض جاليلو لمحكمة تفتيش في ايطاليا بينما نيوتن استطاع ان يمارس ابحاثه في بريطانيا بحرية كاملة .
نحن في العالم العربي نعيش ازمات مختلفة ,المشترك بينها هو قضية حرية التعبير .
استقرار الدولة لا يتحقق فقط بقوة مؤسساتها السيادية ,فهذا جانب مهم ولكنه قطعا ليس الجانب الوحيد فكم من دول بدت مؤسساتها راسخة مستقرة ثم ما لبثت ان صارت اثرا بعد عين .
لنا في الاتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية عبرة الاستقرار يتحقق بشيوع حالة من السلام والرضا بين المجتمع من ناحية والسلطة الحاكمة من ناحية اخرى.
لا يسود هذا السلام اذا اضطر الناس الى اخفاء حقيقة مشاعرهم وآرائهم ,او اذا ضاقت السلطة بما في صدورهم من نقد او سخرية ,مهما كان النقد لاذعا او بدت السخرية قاسية .
ما زال امامنا شوط طويل حتى ننعم بمجتمع يتسامح مع حرية التعبير بكل صورها ,طريق الفوضى لا تعمر طالما ان هناك نظام مستديم وراسخ.
مطلوب معادلة سياسية اكثر تسامحا مع الاراء المختلفة ووسائل التعبير عنها .
قيل :
ملعقة من السكر تغير مذاق الشاي وكلمة طيبة تغير بها نظرة الآخرين عنك .
اذا كان الجمال يجذب العيون فالاخلاق تملك القلوب
قال الشيخ الشعراوي :
ان لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل
قال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه:
احرص على حفظ القلوب من الاذى فرجوعها بعد التنافر يصعب
ان القلوب اذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب