لقد بتنا نعلم جيدا أن حروب العرب لن تنتهي، وأن الصراع في سوريا قد بدأ للتو، وأن لا أحد يريد لجهنم تلك أن تغلق أبوابها، ففي سوريا تسيطر روسيا على الفضاء وتسيطر إيران ومليشياتها على الأرض، ويسيطر داعش على ما يُسمح له من مناطق وسط وشرق سوريا وآخرها عودته لتدمر بعد إخلاء قوات النظام والروس الأرض له، فيما النظام يتفاخر بانتصارات لم يحققها أبدا، ولكنها عمليات تطهير وتهجير تقوم بها قوات المليشيا والكتائب الطائفية التي باتت نسخة مطابقة عن شقيقاتها في العراق، وهذا بلا شك سيؤدي الى زرع الشقاق والتمزق الإجتماعي لعقود طويلة معززة بالأحقاد التاريخية، وكل ما يجري هناك هو خدمات لإيران في الدرجة الأولى لتحقيق تطلعاتها بطوق موالٍ ومأمور منها، ليعزز مكانتها أمام الغرب الصامت.
للأسف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توقف الصرخات ونداءات الإستغاثات و دعاء الخطباءوهراء مشاريع القرارات الأممية، أن تنهي المجازر الوحشية ضد المدنيين في حلب التي طعنتنا في إنسانيتنا وكرامتنا جراء ما يحدث لها،حيث جرت عليها صفقة ما قبل التصفيات النهائية للحرب السورية، وأكثر ما كان صادما هو الإتفاق التركي الروسي والصمت على ما جرى للعرب السنة في المحافظة التي تشكل ٢٠ بالمائة من سوريا، و فتح معابر لخروج المسلحين في محاولة لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين واستبدالهم بقوات من الجيش النظامي والقوات الشعبية المساندة للنظام وفرق الموت الإيرانية.
إن أسوأ ما يمكن سماعه اليوم من تصريحات المسؤولين الأتراك والروس،هو تصريحات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك اوباما فجر السبت عما حل بحلب نتيجة الضربات الساحقة للثلاثي الروسي السوري الإيراني حسب قوله، ولو قارنا ما يفعله من كلام مع ما جرى في العراق بعد الغزو الامريكي ٢٠٠٣ لوجدنا إدارة الرئيس جورج بوش أكثر صدقا من أوباما وعواطفه الكاذبة، حيث كان أبناء السنة يحتمون آنذاك بالجيش الامريكي لحماية أرواحهم ، فيما يتم ارتكاب المجازر اليوم في طرقات حلب بسبب التلكؤ والتخاذل للإدارة الامريكية في اتخاذ القرارات الصحيحة والواجبة لإنهاء الصراع في سوريا الدائر منذ ست سنوات بلا هدف ولا نهاية.
إن أخطر ما قد يحدث بعد إعادة سيطرة النظام السوري على حلب هو تمكن قوات الحشد الشعبية المكونة من عملاء النظام والمليشيات الإيرانية وحزب الله من المدينة التي تخلى عنها الجميع فجأة بعدما كانت خلية حرب ضروس تصلها الإمدادات البشرية والأسلحة من كل صوب وحدب، وهذا سينتج عنه بلا شك تغيير في الديمغرافيا ليستكمل طرف الهلال المشهور مرتبطا بالساحل السوري، و لا يزال الخطر يهدد شمال سوريا ما سيجدد وقوع المجازر ضد المدنيين الأبرياء من سكان مدن حلب وإدلب وحمص وحماه وقراهم مجددا.
و على فرض أن النهاية ستقترب بتسارع وتحط الحرب أوزارها في سوريا، فلن تحط الكراهية بين نسيج الشعب أي وزر لها، فالتجربة العراقية ستتكرر بنسخة سورية أكثر مأساوية، لأن هناك من هو مستفيد من تأجيج الصراع في المنطقة، فحرب العرب ضد العرب و تدفق الزيت الأجنبي من طهران وموسكو وغيرهم الذي يصب على اللهب ، هو استمرار لمسلسل تدمير مقدرات هذه البلاد وشعوبها وخلق مستقبل متوحش لأطفالهم وأجيالهم القادمة لتسهيل استعبادهم من جديد، وهذا ما سيفعله رئيس أمريكا الجديد العنيد دونالد ترامب إذا بقيت الخطة كما هي مرسومة.
بعد عام ٢٠٠٣ لعبت الإدارة الأردنية دورا رائعا في محاولة عقد إتفاقات وتصالحات بين زعماء التيارات السياسية الشيعة والسنّة العراقيين،وكانت عمان تعج بالشخصيات التي برزت بعد سقوط نظام البعث، وكادت الجهود ان تنجح في تشكيل حكومات وطنية يشارك فيها السنة الى جانب بقية مكونات الشارع العراقي، ولكن دولا إقليمية على رأسها ايران لعبت في الطرف الآخر لإفشال كل المساعي، ورغم فوز إياد علاوي برئاسة الحكومة فإن إيران إستطاعت تغيير خارطة الواقع،و بدعم من واشنطن حينئذ التي بدأت تنحاز للمكون الشيعي لأنهم لم يقاتلوها هناك،جاء ابراهيم الجعفري رئيسا للحكومة، ففشلت كل مساعينا الطيبة وبدأ بناء بوابة جهنم الأولى من هناك،وهذا ما سيحدث في سوريا.
ان الأردن معني تماما بإنهاء الصراع في سوريا سلميا، ولكن كيف وما يجري بات نسخة عراقية جديدة قد تهددنا !
الراي