ما بين سلعة وخدمة، مؤسسة وشركة، مدرسة وجامعة، محافظة وقرية، ميزانية وموازنة بات الاقتصاد العالمي محيطاً عميق المدى، وما زال الاقتصاد المحلي ضحلاً عديم الرؤى، وبعيداً عن لغات المزايدات والمراهنات، المناكفات والمطالبات تساءل البعض عن جدوى الاصلاحات الاقتصادية التي ارهقت الوطن والمواطن عبر سنين من الزمن، وهل استطاع الفريق الاقتصادي الحكومي من ادارة الملف الاقتصادي والمالي وفق حنكة وخبرة اقتصادية أم استناداً الى صدفة واجتهادات شخصية!!
باستعراض بسيط لارقام الموازنة للعام 2017 فقد بلغ عجر الموازنة حوالي 1.1 مليار دولار امريكي، وتزايد حجم الانفاق الحكومي ليصل الى ما يقارب من ال12.6 مليار دولار وبزيادة عن العام 2016 بحوالي 874 مليون دولار، بينما بلغت الايرادات العامة المقدرة للعام 2017 مبلغاً وصل الى 11.4 مليار دولار في موازنة مبنية على النتائج جرى التوافق عليها من قبل الحكومة، تم تحصينها عبر سلسلة من التصريحات والتأكيدات التي اشارت في أكثر من مناسبة الى أن الحكومة تسعى الى ضبط وترشيد الانفاق الحكومي، وأن موازنة العام 2017 لم ترصد اي مخصصات لشراء السيارات والاثاث، كما وتم تخفيض نفقات السفر بواقع 50% الا ان ذلك لم يسعف الحكومة في تفادي العجز الذي يتماشى مع الاجتهاد القائم على أن الحكومة قادرة على الوصول الى الرقم 11.4 مليار دولار مستندة في جزء من ذلك الى نظام ضريبي متهالك، يفتقد البوصلة الحقيقية في ادارة التحصيلات الضريبية، والتخطيط الضريبي المنهجي القائم على التخطيط الاستراتيجي وليس اقل من ذلك ما هو قائم في بعض الدول المتقدمة مثل HMRC في انجلترا، وكذلك القدرة على كبح جماح التهرب الضريبي، وتخفيض الاجتهاد والاعتقاد في التدقيق والتقدير على مكلفي الضريبة الذين أجبر البعض منهم الى مغادرة الاردن بحثاً عن بيئة استثمارية أكثر جاذبية، انتقالاً الى البيروقراطية في بعض اجهزة الدولة وليس اقل من ذلك مما يعانيه المستثمر المحلي او الخارجي في امانة عمان الكبرى ووزارة العمل ومؤسسة الضمان ومراقبة الشركات وغيرها من مؤسسات الدولة التي تعاني بعض منها الى فقدان الحرفية والمنهجية في العمل المؤسسي المنهجي!
ان معادلة اقتصادية واضحة تتطلب النظر الى القوانين الاقتصادية، الاستثمارية والمالية وفق قالب واحد يحاكي كل بعد منها الآخر، فلا استثمار من غير استقرار ضريبي، ولا استقرار بدون تعليمات واضحة وانظمة ضابطة بعيداً عن الاجتهادات والتأويلات التي ارهقت الوطن والمواطن. معادلة اقتصادية تكفل ربط المكافات بالانجازات، التشريعات بالاولويات بعيداً عن ثقافة البطولات التي ارهقت الفضائيات واستهلكت الامكانيات!!
أخيراً وليس آخراً، ومع انخفاض أسعار النفط وارتفاع اعداد اللاجئين، انخفاض فاتورة الطاقة وارتفاع نسب الفقر والبطالة بات الوطن أكثر حاجة لرؤية أكثر وضوحاً في ادراة الملف الاقتصادي وفق آخر الاساليب العلمية المتقدمة وصولاً لنظام اقتصادي قيادي شامل يشكل أنموذجاً للدول الأخرى، بعيداً عن ثقافة الاعذار في واقع اقليمي ملتهب، وواقع سياسي مقتضب، بعيداً عن لغة الاجتهاد وصولاً لدراسة كافة الجوانب وقوفاً الى ما وراء الموازنة من ارقام وأعداد الى ما وراء ذلك من أبعاد من أجل صناعة الاقتصاد الذي يريده الوطن والمواطن، اقتصاداً يصنع الفرص من انصاف الفرص، اقتصاداً يحلل الماضي ويحاكي الواقع ويستقرئ المستقبل.