صعود اليمين المتطرف في أوروبا
د. هايل ودعان الدعجة
17-12-2016 12:54 PM
لا ندري بماذا نفسر الموجات المتطرفة التي اجتاحت المجتمعات الغربية مؤخرا بشكل أخذ يهدد أنظمتها الديمقراطية ومنظومتها القيمية الليبرالية بالانحسار وربما بالانهيار في ظل صعود الأحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة في هذه المجتمعات ، وزيادة شعبيتها وفرص فوزها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في بلدانها واحتمال فوزها بمقاعد اضافية في الاتحاد البرلماني الاوروبي بشكل لافت ومؤثر.
وذلك على وقع تصاعد حدة خطاب الكراهية والخوف والعنصرية لدى هذه الأحزاب التي تتصف بالتعصب القومي والديني من خلال مناهضتها للهجرة ومعاداتها وتحريضها ضد الإسلام ، ومحاولة تعزيز النزعة القومية والانفصال عن اوروبا.
واستطاعت التأثير في الناخب الغربي وميوله ، وجعلته يؤيد طروحاتها وبرامجها وافكارها الراديكالية ، التي قد تنسف الصروح الديمقراطية التي شيدتها هذه المجتمعات واستغرقت في سبيل انجازها أزمنة طويلة ، حتى غدت نماذج حضارية تطلع شعوب الدول الأخرى الى الاقتداء بها وتطبيقها.
ان ما يبعث على الحيرة والاستغراب الاستجابة الشعبية السريعة مع هذه الافكار المتطرفة ، وفي مجتمعات أعتقدنا انها محصنة ديمقراطيا وحضاريا وانسانيا . فاذا بنا امام حالة متناقضة تستحق التوقف في ظل هذا التحول المفاجىء في ذهنية المواطن الأوروبي الذي اعتقدنا أنه نشأ على المفاهيم والمبادئ الديمقراطية من تسامح وحرية وتعددية وقبول الاخر.
وباتت من مكونات شخصيته (الحضارية) ، وذلك قبل ان يسقط في ظلمة خطاب الكراهية بمجرد ان وجد نفسه امام اختبار حقيقي لبيان مدى استعداده وتقبله لممارسة شعارات الديمقراطية والإنسانية التي تبناها وأطلقها وحمل لواء الدفاع عنها على ارض الواقع ، فاذا به يفشل في هذا الاختبار الواقعي ، عندما تكشفت الامور وتبين انه لا يستطيع تطبيق ما يطلبه من غيره على نفسه وفي بلده المنتمي للمنظومة الغربية ، التي طالما رهنت إقامة علاقات مع الدول الأخرى ‘ خاصة دول العالم الثالث ، على مدى مراعاتها واحترامها وتطبيقها لهذه الشعارات.
حتى انها كانت تشترط تقديم المعونات والمساعدات وتبدي استعدادها لشن الحروب ، دفاعا عن هذه القيم وضمان نشرها في أكبر عدد من الدول التي تعتبرها متخلفة . فاذا بنا امام معطيات ومواقف متناقضة ومخادعة سرعان ما تبين زيفها امام هذه الوقائع العنصرية الصادمة .
لقد لاحظنا انه وبمجرد الإعلان عن فوز دونالد ترامب بأنتخابات الرئاسة الامريكية على وقع خطاب شعبوي غير معهود يثير المخاوف من الأقليات والهجرة واللاجئين ، وانسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الاوروبي.
لقد جرى توظيف هذين الحدثين من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا في توسيع قاعدتها الانتخابية واجتذاب المواطن الأوروبي للتصويت لصالحها بعد ان زرعت فيه الخوف على مستقبله وهويته وثقافته ووجه اوروبا الديني (المسيحي) وخريطتها الديمغرافية من خلال تأليبه وتحريضه ضد الاقليات والهجرة واللجوء الى القارة الأوروبية التي زادت نتيجة ثورات الربيع العربي ، ومعاداة التعددية والتنوع والعولمة واليورو والوحدة الأوروبية ، والتعاطي معها كأسباب للازمة المالية العالمية 2008 ، وتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع حجم البطالة في أوروبا ، نتيجة الضغط الذي تشكله على سوق العمل.
في إشارة الى ان صعود اليمين المتطرف ، وتأييد خطابه العنصري يمثل احتجاجا على السياسات الحكومية التقليدية ، وتغيرا في المزاج العام الاوروبي ، ويعبر ايضا عن مخاض سياسي جديد في المجتمعات الغربية قد يقود الى احداث تغيرات في الخارطة السياسية لهذه المجتمعات ، بطريقة قد تؤثر في مستقبل الأنظمة السياسية والمنظومة القيمية الديمقراطية فيها في ظل الزيادة اللافتة في شعبية هذه الأحزاب المتطرفة ، كحزب الجبهة الوطنية في فرنسا ( زعيمته مارين لوبان من المرشحين الاوفر حظا بالفوز في الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها العام المقبل) ، وحزب البديل في المانيا ( حل ثانيا وتقدم على الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في الانتخابات الإقليمية في شمال شرق البلاد في ثلاث ولايات ) ، وحزب الحرية في النمسا ( خسر رئيسه نوربرت هوفر الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا بفارق 16الف صوت حيث حصل على 49.7% ، وحصل الحزب على 40 مقعدا من اصل 183 مقعدا في المجلس الوطني ) ، وحزب الفجر الذهبي في اليونان ( حل ثالثا في الانتخابات التشريعية ) وحزب الشعب في سويسرا ( حصل على حوالي 30% من الأصوات في الانتخابات التشريعية ) ، وحزب الحرية في هولندا ( زعيمه خيرت فيلدرز المعادي للاسلام ) وحزب الاستقلال في بريطانيا . ما يؤشر الى انتشار خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف في المجتمعات الغربية بصورة قد تشعل الصراعات الحضارية والدينية في الساحة العالمية.