النشيد الوطني ومعناه واحترامه!
طارق مصاروة
18-10-2008 03:00 AM
لم يصلنا رشاش الغضب الرسمي الفرنسي ولم يصل الناس في تونس ودول المغارب. ففي مباراة كرة قدم بين فرنسا وتونس في احدى ملاعب باريس الباذخة، تكهرب الجو لدى عزف النشيد الوطني الفرنسي، لأن مشاهدين كثيرين مشجعين للفريق التونسي كانوا يصفرون إلى جانب التصفيق وهتاف التشجيع. مما أغضب وزارة الداخلية ثم الرئيس ساركوزي، اعتبرا التصفير إهانة للنشيد الوطني!!. وعلينا أن نعترف أن كثيرين في بلادنا العربية يصفرون .. وقد لا يدركون أن الناس يعتبرون التصفير استنكاراً، واحتقاراً لمركز الاهتمام.. سواء أكان النشيد الوطني، أو حضور شخصية عامة!!.
سأتجاوز الحادث لذاته، وأقول إن للنشيد الوطني قيمة خاصة كالعلم، وكرئيس الدولة، في بلدان كفرنسا والولايات المتحدة. وقد شهدت لأول مرة في بلدة صغيرة في ألمانيا اسمها بادن بادن الرئيس ديغول في منتصف الستينيات من القرن الماضي وهو يزور وحدة فرنسية مرابطة هناك. وكنت مدهوشاً لوقفة الرجل التاريخي السامق الطول، وهو يستمع إلى المارسيليز، .. ثم وهو ينشد مع العزف ومع عدد كبير من السياح الفرنسيين الذين كانوا يملأون البلدة.
والانشداه الذي انتابنا ؟ نحن دارسي اللغة الألمانية ؟ هو تذكرنا لطفولتنا في الوطن العربي، فقد كنا قبل الدخول إلى الغرف الصفية ننشد في ساحة المدرسة: عاش الملك. ودمت يا شبل الحسين. كما ينشد الجنرال العظيم!!. وبقيت الصورة في ذهني إلى منتصف الثمانينيات حين كنت أدير شركة الانتاج التلفزيوني وخطر في ذهني وأنا استقبل صديقاً موسيقياً لبنانياً أن نسجّل النشيد الوطني كموسيقى أوركسترا، وأن ننشده عبر أصوات شباب وفتيات لاستعماله في المناسبات الوطنية والعامة!!.. فلماذا لا ننشده ونكتفي بالدقيقة والنصف التي تعزفها فرقة القوات المسلحة الموسيقية؟.
النشيد الوطني، والمشاركة الجماهيرية فيه له معنى خاص في حياتنا، وقد هزني كما هزّ أصدقاء كثيرين مشهد وصول جثامنين شهدائنا الذين سقطوا في حرب 1967، وبقوا في قبور حرص إخواننا الفلسطينيون على إقامتها، وصيانتها، فقد قام رئيس الديوان الملكي الهاشمي وقتها د. خالد الكركي بالاشراف المباشر على المهمة مع عدد من ضباط الجيش.. وعادوا بالجثامين الطاهرة لتدفن في أرض الوطن.. كان الاستقبال مؤثراً، وكان للنشيد وقع خاص.
وهذه تذكرنا بعودة العقيد الشريف زيد بن شاكر بآخر دباباته أثناء الانكفاء العام الأمر الذي أصدره الفريق رياض، فقد حرص قائد اللواء الأربعين أن يعود بما بقي من دباباته.. ثم جاءت بعد أشهر معركة الكرامة حيث لعبت هذه الدبابات إلى جانب مدفعية الفرقة، دوراً حاسماً في هزيمة العدوان الصهيوني شرقي النهر!!. وقد هزتنا القصة وقتها كما رواها جلالة الملك الراحل حين كان يستنجد بالنشامى لمعرفة مصير رفيقه زيد بن شاكر،(ابو شاكر) ثم برز القائد مع دباباته المنسحبة. فالعراك أفقده حوالي 150 دبابة!!.
وزيرة الداخلية الفرنسية هددت بإيقاف أية مباراة يتم فيها التصفير للنشيد الوطني الفرنسي. وهذا حق لكن هناك من لا يعرف أن للتصفير هذا المعنى المثير للغضب!.. والمناسبة أخذتنا إلى منحى آخر!.
الراي