من أبشع مصائب الأمة العربية ونحن في الأردن جزء مهم منها , النفاق بكل أشكاله , وبالذات النفاق السياسي ثم الإجتماعي تاليا , والمصيبة الأكبر أننا نمارس النفاق جهارا نهارا , حتى ونحن نعرف أنه السبب المباشر والرئيس في سائر معضلاتنا وأس عنائنا كله .

ومع ذلك فلا نبالي , ناسين لا بل ومتناسين أن الحق سبحانه قرن بين الكفر والنفاق في قوله عز من قائل مخاطبا رسوله الكريم صلواته وسلامه عليه ," ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " صدق الله العظيم .

آية المنافق ثلاث , إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف متعمدا وإذا أؤتمن خان , وهناك من يضيف , أنه إذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر , ولنتصور محصلة هكذا خلق ذميم , فالمنافق لا يتردد في جعل الأسود أبيضا ولا يضيره ذلك أبدا , ما دام يمكن أن يحقق له غاية شخصية على حساب سواه , والمصيبة الأخطر في شأن النفاق السياسي تحديدا , أنه يطرب المسؤول ويلقى في نفسه هوى حتى وهو يعرف انه مجرد نفاق رخيص ! .

ولهذا فمن يجيدون هذا الفن الرخيص الهابط , لهم الحظوة , يتقدمون الصفوف بكفاءة النفاق لا بكفاءة إحترام الذات والصدق مع الله , ولنتصور كذلك حصيلة الأداء العام وإنعكاسه على حياة الشعوب المكلومة حتى في لقمة عيشها في ظل إستشراء داء النفاق على نحو لم يألفه بلدنا ومجتمعنا , حتى بلغ الحد بمن ما زال في نفوسهم شيء من حياء , الإحجام عن مدح أداء مسؤول مخلص محترم , كي لا يصنف ذلك وفورا , على أنه بعض من نفاق .

لا فصل بين النفاق بشقيه السياسي والإجتماعي , فكلاهما سبب تخلف الاوطان وما تعاني من بلاء , وهما متلازمان تماما , وهنا أتذكر إبان عملي في مجلس النواب , أن مسؤولا كبيرا توفي والده رحمة الله عليه , ومن باب القيام بالواجب ذهب رئيس المجلس طيب الذكر عبدالهادي المجالي وعدد من النواب للتعزية .

وقبل ان يغادروا طلب أن أبقى في إنتظاره لأمرما , خاصة وأن بيت العزاء في مكان قريب في عمان , إنتظرت طويلا حتى عادوا , فسألته عن سبب التأخير ليقول , مش معقول كل البلد تقريبا هناك حتى أننا أضطررنا لأيقاف سياراتنا في مكان بعيد .

شاءت الأقدار أن ذات المسؤول توفيت والدته بعد فترة قصيرة كان قد أحيل قبلها بأيام ربما إلى التقاعد , وتكرر الموقف ذاته , فقد ذهب الرئيس وبعض النواب لتقديم واجب العزاء , ليعودوا في غضون نصف ساعة وربما أقل , وهنا , تندر أحد النواب ممن شاركوا في المرتين قائلا , والله لم نجد في بيت العزاء سوى بضعة أشخاص فقط , فما الذي تغير سوى أن المسؤول الكبير أحيل إلى التقاعد , ولم تعد للمنافقين به أو عنده حاجة .

في المجتمعات الغربية لا يعرفون لهذا النوع من النفاق المدمر طريقا , يقولون للمخطيء أخطأت وللمحسن أحسنت , يعاقبون الاول على خطئه , ويثيبون الثاني على إحسانه , ولهذا فقد سبقونا كثيرا , بعد أن كانوا خلفنا كثيرا , الله من وراء القصد .