هذا ليس شعارا أطلق في الشوارع العربية أو الإسلامية في إحدى التظاهرات المطالبة بالديمقراطية أو الدفاع عن قضية مطلبية تهم المواطن المسلم في أصقاع العالم الإسلامي الذي يواجه مثل هذه التظاهرات بالهراوي وخراطيم المياه، وربما غيرها مما تجود به يد الضارب، فهذا الشعار يأتي مستنبطا من وحي استطلاع للرأي العام أجرته "مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي" ووصلت فيه إلى أن الشعوب العربية والإسلامية تكره الالتزام بالنموذج الأميركي في الديمقراطية، بخاصة الأسلوب الذي مارسه الرئيس جورج بوش، خلال احتلاله للعراق وتقتيل أهله وتشريد الملايين منهم والسماح لإيران بتخريب الحرث والنسل فيها، عبر وجودها المباشر أو عبر وكلائها في العراق من مليشيات دموية تقتل بغير وجه حق دفاعا عن الحق الفارسي في العراق!
يؤيد ذلك أيضاً المؤرخ الأميركي المعروف، فرانسيس فوكوياما، في مقالة له تزامنت مع نشر نتائج دراسة كارينجي إذ يرى أن الديمقراطية الأميركية قد تلطخت سمعتها، حالما ثبت أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لا يمتلك أسلحة دمار شامل، وسعت إدارة بوش لتبرير حرب العراق من خلال ربطها بـ"أجندة حرية" أوسع نطاقا" وفجأة أصبح نشر الديمقراطية سلاحا أساسيا في الحرب ضد الإرهاب.
ويصل فوكوياما إلى أنّ الخطاب الأميركي عن الديمقراطية أصبح للكثير من الناس في أنحاء العالم بمثابة شعار وتبرير لتعزيز الهيمنة الأميركية.
ولم تغفل دراسة كارنيجي الإشارة إلى أن الشعوب في العالم الإسلامي تواقة للديمقراطية ولكن وجهة النظر الرافضة تمام للنموذج الأميركي في الديمقراطية أو الترويج لها لا تؤثر بشكل أساسي على سمعة الديمقراطية كنظام حكم، بل على العكس فهذا النمط من الحكم يتمتع بشعبية في المنطقة.
وخرجت نتائج استطلاع الرأي العام، الذي اجري في بعض دول العربية، بأنّ أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع يرون أن نظام الحكم الديمقراطي على الرغم من مشاكله المحتملة هو أفضل من أنماط الحكم الأخرى. وهذا مؤشر حقيقي لرغبة الناس في المنطقة العربية في سيادة نظم حكم ديمقراطية تساهم في تنمية المجتمع وتضمن ديمومته واستمراريته، بطريقة تسمح للناس بانتخاب ممثليهم في السلطة وتجعل مسألة تداول الحكم مسألة ضرورية حتى يتم القضاء على الفساد الذي أصبح عبارة عن مؤسسات منظمة تديرها رموز في السلطة تنهش جسد النظام السياسي العربي، وقد آن الأوان لهذا النظام للانسجام مع طموحات شعوبه التي تسعى جاهدة لوضع خطوت تداول السلطة عبر الانتخاب في سياقها الطبيعي.
في هذا السياق تحديداً نفهم معنى توق شعوبنا للديمقراطية ورفضها للنموذج الهمجي الذي قدمته ديمقراطية الرئيس الأميركي "جورج بوش" الذي وزع صناديق الموت في أفغانستان والعراق قرابين لمعبد الديمقراطية المزعوم الذي يتربع على عرشه مجموعة من لا هم لهم سوى خراب العالم، فنحن شعوب نستند إلى منظومة قيمية مستمدة من الدين والتراث ترفض القتل وسفك الدماء وترفض الظلم.
Jihad.almheisen@alghad.jo
...