العنف الجامعي وغياب الدبلوماسية
السفير الدكتور موفق العجلوني
11-12-2016 04:26 PM
الاردنيون بمختلف منابتهم ومشاربهم وعشائرهم وبواديهم واريافهم وقراهم ومدنهم والويتهم ومحفظاتهم دبلوماسيون حتى النخاع.
يتصف الاردنيون بالوعي والالفة والمحبة مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى- عائلة واحدة قلوبهم على بعض- الجار للجار– وشيخ العشيرة للعشيرة – جاهات الافراح تملىُ صحفنا المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي– مناسبات الحزن تغص بالأقارب والخلانوالاصدقاء والجيران والمعارف والاصدقاءوالمواسين.
طلاب جامعاتنا الحكومية والخاصة في مقدمة فزعات الخير والمروءة والكرامة والشهامة، طلابنا على مقاعد الدراسة يواصلون الليل بالنهار للحصول على معدلات عالية للالتحاق بجامعاتنا العامرة بإداراتها الكفؤة واساتذتها اصحابالخلق الرفيع والهمة العالية والثقافة الغنية بعلوم المعرفة،وطلابها النجباء،والاهل في حالة استنفار يتطلعون لهذا اليوم الذي يصبح فلذات اكبادهم على مقاعد الدراسة في الجامعات يتطلعون ليوم الفرح بتخرجهم ونيل شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
نعم هذه الحالة الاردنية والتي اصفها بالدبلوماسية الشعبية - بالدبلوماسية الجامعية - بالدبلوماسية المدرسية- بالدبلوماسية العائلية - بالسيرة الطيبة- والخلق الحسن والتصرف اللائق– هذه الصفات هي المحاور الرئيسة للدبلوماسية والمشتقة مما يطلق عليه الاتيكيت و البروتوكول والذي يتمتع به دبلوماسيينا و سفرائنا في الداخل و الخارج و الذين تخرج معظمهم من الجامعات الاردنية ويمثلون المملكة الاردنية الهاشمية احسن تمثيل مقتدين بالدبلوماسي الاول في المملكة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والدبلوماسية الاولى جلالة الملكة رانيا العبدالله حفظهما الله.
مملكتنا الحبيبة بقيادة امراء و ملوك ال هاشم منذ بيارق تأسيس الامارة واستقلال المملكة، اتسمت بالدبلوماسية و رائحة عطر دبلوماسيتها تفوح في ارجاء المعمورة في الداخل و الخارج و المحيطين العربي و الاسلامي و العالم اجمع، و هذا سر سمعة الاردن المثل الاعلى والقدوة الحسنة والاحترام الكبيرسواء من القيادات السياسية العالمية او على مستوى الشعوب الاخرى، وبالتالي جامعاتنا تحتل هذه الصفات الدبلوماسية و تغص جامعاتنا الاردنية بالطلاب من الدول الشقيقة و الصديقة على السواء، و الا لما شاهدانا الالاف من الطلبة غير الاردنيينيأمون الاردن لما يتمتع به من بيئة امنية ، وبيئة محافظة و اجواء دراسية مثالية و جامعات تنافس الجامعات العريقة في الدول الاوروبية و الاميركية .
دبلوماسيتنا الاردنية مستمدة من دبلوماسية الارث الهاشمي المصطفوي ومرجعيتها القران و السنة و الباب المفتوح للاجتهاد مع الاخذ بعين الاعتبار عادات و تقاليد و أعراف الدول و الامم الاخرى .فعنوان دبلوماسيتنا : ادبني ربي فأحسن تأديبي – و انك لعلى خلق عظيم – و لو كنت فظا غليظ القلب لانفظوا من حولك ، اليوم يوم المرحمة لا يوم الملحمة ، اذهبوا فانتم الطلقاء – لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم و لا نساء من نساء عسي ان يكن خيرا منهن، و لا تلمزوا انفسكم و لا تنابزوا بالالقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الايمان، اتركوها فإنها نتنة – الناس للناس من بدو و حاضرة بعض لبعض و ان لم يشعروا خدموا .
الدبلوماسية الاردنية، دبلوماسية الجيرة الطيبة : جارك القريب و لا اخوك البعيد ( قصةأبو دلف )، دبلوماسية احترام الكبير، دبلوماسية عطف الكبير على الصغير، دبلوماسية الادب و الخجل، دبلوماسية الشرف و المرؤة و الكرم، كلوا واشربوا و لا تسرفوا– دبلوماسية رعاية اليتيم – دبلوماسية اكرام الضيف و مساعدة الملهوف – دبلوماسية احترام المرأة واكرامها: لا يكرمهن الا كل كريم و لا يهينهن الا كل لئيم – دبلوماسية معاملة الخدم و المراسلين – دبلوماسية احترام المسؤول الاعلى : و اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم– دبلوماسية الرعاية والمسؤولية : كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، انصر اخاك ظالما او مظلوماً – دبلوماسية المواطنة – دبلوماسية دولة القانون: الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك : و امرهم شورى بينهم و شاورهم بالأمر .
حقيقة الدبلوماسية لا تأتي او تنشأ من فراغ – الدبلوماسية علم و معرفة و اصول و عادات و ثقافات و حضارة –الدبلوماسية اسلوب حياة و تطبيق عملي في كل مناحي الحياة في كل سلوكياتنا منذ اليقظة حتى الخلود الى النوم ، و بالتالي لا بد ان نتمتع بالخلق الكريم في مسيرة حياتنا : في سيرنا في الشارع – في قيادتنا للسيارة في ركوب الحافلة ، في عدم استعمال منبهات السيارات و التزمير و التشحيط و رمي النفايات و أعقاب السائر و المخلفات من السيارة ، و عدم ازعاج الاخرين و الالتزام بالدور ، و في المعاملات التجارية و في البيع والشراء: و لا تبخسوا الناس اشيائهم ، وويل للمطففين ٠ الدبلوماسية غض البصر: و قل للمؤمنين ان يغضوا من ابصارهم – الدبلوماسية هي افشاء السلام: افشوا السلام و اطعموا الطعام و صلوا بالليل و الناس نيام– الدبلوماسية العفو عند المقدرة - الغني يساعد الفقير : خذ من اموالهم صدقة – الدبلوماسية هي التكافل الاجتماعي : انما المؤمنون اخوة – الدبلوماسية الاناقة في كافة المناسبات و المواقع : خذوا زينتكم عند كل مسجد ، إن الله جميل يحب الجمال – الدبلوماسية هي حفظ اسرار الاخرين و عدم القيل و القال : و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعض، أيحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه – الدبلوماسية عدم التدخل بشؤون الغير: لا تسألوا عن اشياء ، ان تبدى لكم تسؤكم .
الدبلوماسية ان يكون طلاب جامعاتنا الاردنية في قمة الخلق والسلوك الحسنوالتصرف المسؤول، و ان تكون الجامعة بيتنا الكبير و ان نحافظ على ممتلكات الجامعة بأهداب أعيننا، لأنها بيتنا الكبير و المنبع الذي نستقي منه علومنا و هي مستقبلنا و عزنا و فخارنا و منهل علمنا. و ان نقدم الى رئاسة الجامعة و اساتذتها و أداريها و أمنها الجامعي و حُراسِها و مراسلوهاكل التقدير والاحترام، انهم جميعا موجودون لخدمتنا و السهر على أمننا و راحتنا و مستقبلنا.
الدبلوماسية ايضاً ان يكون استاذ الجامعة بمثابة الاب ألحان، و الاخ و الصديق و الاستاذ الصارم بحق و المنتظم و مصحح الاعوجاج بالتي هي أحسن ضمن الاصول التربوية و الجامعية و القوانين المرعية التي تحكم الجامعة و الاساتذة و الطلبة.
الدبلوماسية لا يتعلمها الانسان في المرحلة الجامعية و لا عند الكبر ، الدبلوماسية يتعلمها الانسان منذ الصغر: العلم في الصغر كالنقش في الحجر– الدبلوماسية تبدآ في منذ بدء الطفل على المسير و في دور الحضانه و في البيت و من قبل الام والاب و الاخوة و الاخوات الاكبر سناً: لولا المربي ما عرفت ربي ... الام التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها ... الام مدرسة اذا اعددتها ..اعددت شعباً طيب الاعراق. الدبلوماسية والسلوك الحسن و المعاملة الطيبة والحديث الطيب و السلوك الحسن في كافة مناحي الحياة في الاتصال والتواصل الاجتماعي وفي المعاملات اليومية والمأكل والمشرب والملبس وترتيب مائدة الطعام والتعامل مع ادوات الطعام و الشراب و اصول الجلوس على المائدة والدعاء قبل البدء في تناول الطعام واحترام آداب الضيافة و استعمال اطباق الطعام و الملاعق والشوك و السكاكين و الفوط و استعمال كاسات الماء و الشراب و المشروبات الغازية و غيرها و التعامل مع النادلين و المراسلين و السفرجية – هذا كله يتعززفي المرحلة الاعدادية و تكتمل دائرة البروتوكول و التصرف المثالي عند التخرج من المدرسة و الالتحاق بالجامعة.
من خلال تجربتي و التحاقي للدراسة ب ٨ جامعات حول العالم و من ضمنها الجامعة الاردنية ١٩٨٠-١٩٨٢، و تجربتي كمحاضر في عدد من الجامعات و المعاهد والاكاديميات الدبلوماسية و مراكز التدريب ومن ضمنها المعهد الدبلوماسي الاردني عندما كان تابعا للمجلس العالي للعلوم و التكنولوجيا قبل ان يصبح دائرة من دوائر وزارة الخارجية و تدريس مهارات الاتيكيت و البروتوكول في داخل المملكة و خارجيها ، هناك بعض الطلبة الذين يلتحقون بالجامعات الاردنية – و خاصة ام الجامعات الجامعة الاردنية - يأتون من مناطق جغرافية متعددة ، و من بيئات مختلفة و نفسيات مختلفة و ثقافات و عادات و تقاليد متفاوتة – و لكن ينتمون الى وطن واحد و الى العائلة الاردنية الواحدة . بنفس الوقت هذا الحال ينطبق على أعضاء الهيئة التدريسية سلبا و ايجابا و هم بصدق و صراحة بعضهم ليس بأحسن حال من حيث الاختلاف عن طلاب الجامعات الاردنية الحكومية و الخاصة، و سرعان ما تحصل المواجهة احيانا بين الطالب و الاستاذ او بالعكس او بين الطلبة انفسهم ، و هنا تكمن المشكلة بحيث يتولد حالة خلاف او صراع، و هنا يتفاقم الامر و تصبح عدوى داخل الجامعة و ربما يتطور الامر الى إحتقانات نائمة قابلة للاشتعال في حالة طارت شرارة العفوية و العصبية و الحمية الزائفة و العنجهية و الجهل و الفشل في الجامعة هنا اوهناك سرعان ما تشتعل النار خارج اسوار الجامعة الامر الذي ينتج عنه نتائج لا يحمد عقباها كما حصل في الجامعة الاردنية قبل ايام .
و من هنا لا بد ان تقوم الجامعات الاردنية الحكومية و الخاصة بإقرار مساق اجباري في مهارات الاتيكيت و البروتوكول و الدبلوماسية المجتمعية من السنة الاولى مروراً بسنوات الدراسة حتىالتخرج من الجامعة ، وان يكون هذا المساق الزامي في كافة سنوات الدراسة .
بنفس الوقت يطلب من مديرية الامتحانات والمناهج المدرسية في وزارة التربية والتعليم ان تكون هنالك مادة تتعلق بالسيرة وحسن السلوك (الاتيكيتو البروتوكول) ضمن المناهج الدراسية للمرحلتين الاعدادية والثانوية. اضافة عدم تعين اي معلمة في دور الحضانة ورياض الاطفال إذا لم تكن حاصلةعلى دورات وشهادات تدريبية في الاتيكيت و البروتوكول، و ان يكون لهؤلاء المعلمات الخبرة الكافية في رياض الاطفال لا تقل عن عشر سنوات بحد ادني، لان مرحلة رياض الاطفال هي المرحل الاهم في حياة الطالب، و ان سبب العنف الجامعي او الشغب الجامعي يعود الى غياب التربية السلوكية في دور الحضانة و البيت و المراحل الاعدادية و الثانوية.
انا متأكد إذا قامت المؤسسات التعليمية بالتركيز على اسس التربية الحديثة وتدريس مهارات الاتيكيت والبروتوكول بدءاًمن دور الحضانة مرورا بالمرحلتين الاعدادية و الثانوية، علاوة ان تكون هنالك دورات مماثلة للأمهات في سلوكيات الاطفال و التربية الحديثة سيكون لدينا طلاب جامعات بمنتهـي الانضباطية و السلوك الحسن.
و بالتالي هذا ينعكس على المجتمع بأسرة، و سيكون المجتمع الاردني منافسا للمجتمعات في الدول الاسكندنافية وسنغافوره و ماليزيا و كوريا الجنوبية و اليابان. انا متفائل ببلدناالاردن، الذي ندعو الله عز و جل ان ينعم اردننا الغاليدائماً بالأمن و الامان و التقدم والازدهار بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله و بوعي طلابنا في الجامعات ووعي الشعب الاردني بمختلف فئاته العمرية و مستواه الثقافي و العلمي و الأكاديمي...حمى الله الاردن.
"الدستور"