إنه خـلف البـاب .. فهـل تخـشونـه ؟؟
سامر حيدر المجالي
16-10-2008 03:00 AM
نحاول جميعا توفير الوقت ، اختصاره وتعليبه واستغلال كل ( فانية ) منه ، أولئك الذين يبددون أوقاتهم هم الأولى بالمحاكمة وسحب الرخصة الزمنية منهم . من المفارقات العظيمة أن الموت يكمن خلف الباب ينتظر الإذن بالانقضاض . انه يختبئ في المكان الذي نراه فيه أوضح ما يكون.
لو أنه خفف من استتاره قليلا لكان أقل هيبة ورعبا . الموت هذا هو فناء الزمن .. لا أكثر من ذلك ولا أقل . منذ القديم حاول الإنسان مقاومة الزمن والالتفاف عليه ، باحثا عن ترياق سحري يلجم هذه المركبة ويخفف من غلوائها في المسير . أحد الخطط الجهنمية التي ارتكبها الإنسان أنه تقمص لبوس الألوهية ، فلما عجز عن أداء الدور أرتضى أن يكون نصف اله أو ثلث . حتى هذه لم تجد نفعا ، فطفق يبحث عن حل آخر .
علامات الزمن .. الشمس والقمر ، وسيلتاه من أجل التعبير عن وجوده ، هو لا يكل ولا يمل ، وهما لا يفنيان ويؤديان المهمة باقتدار . يأتيان ثم يذهبان ثم يأتيان من جديد ، يتبادلان المراكز ، فيلج هذا في ذاك ، ويمتزج ذاك في هذا .
فلنحمّلهما المسؤولية إذن ، ولنصنع زمن الأساطير والخرافات . كل الأساطير التي أخترعها الإنسان تكمن في فكرة واحدة تقول : إذا كان مكتوبا عليك أن تموت ، فلنأمل إذن بأن تعود إلى الحياة مرة أخرى . هكذا يفعل الفرقدان فيشرقان من جديد .
حل توفيقي جميل لم يبارح ساحة الخيال والأحلام . أمس تحدثت عجوز طاعنة في السن عن ذكرياتها أيام الصبا ، حَمَلتنا معها إلى حيث سالت دموعها الغزيرة .
ترى أي سر تحمله قدرتنا على التذكر ؟ وأي مكان ذاك الذي نخبئ فيه أزمنة مديدة ؟ كيف تأسرنا الذكريات ويمارس الزمن الفاني سطوته على ذواتنا ؟ أي باعث يحشرج الصوت ويخرج الدمعة من مكمنها ؟ كيف تجحظ العينان فتمدان كفا تصافح وتعانق ؟ لماذا نعجز عن الحركة ونتوقف عن توليد الأفكار حين نستحضرك أيها الزمن ؟ من الذي يستحضر الآخر .. نحن أم أنت ؟؟ حين نتذكر أو حين نتخيل نكون قد عقدنا مصالحة مع الزمن ، عندئذ فقط نستطيع اختزال كون كامل في رأس إبرة ، وحفظه قريرا بين العين وجفنها .
الموت وراء الباب ، أولئك الذين لا يفقهون شيئا هم الذين يخشون انقضاضه المفاجئ . ليتهم يدركون - ويا عجبا - أن توالد الثواني يصنع الحياة ، أما توقفها عن الحركة فيصنع الخلود . في عالم الأحلام نعبر عن رغباتنا المكبوتة بشكل أفضل ، نصنع أمجادا ونحقق انتصارات ونعانق ألف امرأة جميلة . لي روضة يانعة أرتادها كل ليلة ، أقطف من أزهارها ما شئت ، وأخلص في صداقتي لطيورها . ذات مرة صادفت فيها العبد الصالح ، فهمس لي بكلمات أعذب من تراتيل داوود .
نسيت كل كلامه بعد ذلك ، فقد غادرت الروضة وعدت إلى سباتي العميق . لن تقهر الزمن إلا إن واجهته بكل ثبات وشجاعة ، يظن نفسه يسلبك شبابك وقوتك ، يتغلغل في شرايينك ويحطم مفاصلك . الحقيقة غير ذلك ، فهو يستنفذ نفسه ويأكل أجزاءه مع كل نفس يتنفسه .
انه سائر نحو الفناء ، سيكون ذبيحا يوما ما .
ما أشبه الزمن بالنار .
samhm111@hotmail.com