مدى ثقة الأردنيين بجهود الحكومة في مكافحة الفساد
أ. د. انيس الخصاونة
10-12-2016 08:48 PM
يشكل الفساد بشتى أنواعه آفة تفتك في مقدرات الوطن، وتهدر ثرواته ، وتستنفذ إمكاناته خصوصا في ظل أوضاع اقتصادية مأزومة ، حيث أن المديونية تجاوزت ما نسبته 94% من الناتج المحلي الإجمالي ، وفي ظل عجز مالي يصل إلى ما يقارب المليار دينار في الموازنة العامة. لم يعد بمقدور الدولة الأردنية الاستمرار في نفس النهج اللين تجاه الفساد والفاسدين حيث أصبح ذلك ترفا وتواطئا يمكن أن يهدد كينونة المؤسسات الأردنية ، ويعصف بمنظومة القيم الأخلاقية والحقوقية للمجتمع ،ناهيك عن تزعزع ثقة المواطنين بمؤسساتهم وشعارات النزاهة والمساواة والعدالة التي ترفعها معظم هذه المؤسسات.
قبل بضعة أيام شاركنا في احتفالية اليوم الدولي لمكافحة الفساد تحت شعار النزاهة مسؤولية جماعية وذلك برعاية من كل من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ووكالة المساعدات الأمريكية ، وقد أعلن عن تبني الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد 2017-2025. وفي الندوة التي أقيمت على هامش الاحتفالية بعنوان "تعزيز النزاهة في المجتمع" تحدث كل من رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت والدكتور موسى بريزات ، والسيد محمد العلاف مدير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد مستعرضين جهود الحكومة الأردنية في مكافحة الفساد وإعادة النظر في التشريعات التي تعزز من إمكانية ليس فقط ضبط التجاوزات والسلوكيات المنحرفة ولكن الإجراءات والخطوات الاستباقية التي يمكن اتخاذها قبل ارتكاب هذه التجاوزات والانحرافات.
وفي الوقت الذي ركز بعض المتحدثين على أن الفساد يبدأ إداريا وإذا لم يتم معالجته يصبح فسادا سياسيا فإننا نرى بأن النظرية الأكثر إقناعا ومنطقية هي أن الفساد يبدأ سياسيا وينتهي إداريا ومجتمعيا . بمعنى آخر فإن الفساد أصله سياسي وليس إداري وأن الفساد يبدأ من الأعلى وليس من القاعدة .
فساد السياسيين سواء كانوا رؤساء حكومات أو وزراء أو نواب أو أعيان أو نخب حزبية أو غيرها يمهد الطريق للحلقات والشرائح الإدارية والموظفين في فئاتهم المختلفة لأن تتبع خطى السياسيين وتقلدهم .فإذا كان رئيس الوزراء على سبيل المثال فاسدا فلا غرابة أن يكون الوزير فاسدا ، وإذا كان الوزير فاسدا فهناك احتمال كبير لأن يكون الأمين العام فاسدا، وكذلك ينحدر ويتغلغل الفساد حتى يصل أدنى الحلقات الإدارية في المؤسسات المختلفة ، وهذا بدورة يعمل على تجذير السلوكيات الفاسدة في المجتمع بحيث يصبح السلوك المنحرف والفاسد سلوكا مقبولا بعد فترة زمنية يألف فيها الناس هذا الفساد ويصبح بحد ذاته قيمة منحرفة لكنها مقبولة في المجتمع تماما مثلما أصبحت الرشوة قضية عادية في بعض المجتمعات المجاورة.
إن ما تقوم به هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من مراجعة للتشريعات ،وإعادة هيكلة وتنظيم الهيئة ، واعتماد مصادر للمعلومات عن شبهات الفساد من داخل المؤسسات الحكومية والعامة ، وحماية هذه المصادر من تعسف قيادات هذه المؤسسات التي تأتي على شكل إجراءات انتقامية وكيدية ونقل من الوظيفة ولجان تحقيق مفبركة ، كل ذلك يسجل للهيئة ممثلة بمديرها السيد محمد العلاف وزملاؤه. ومع ذلك فقد لفت نظرنا تفسير بعض المتحدثين والمتداخلين في الندوة لضعف الثقة التي يوليها بعض الأردنيين تجاه جهود الحكومة في مكافحة الفساد أو في شعور هؤلاء المواطنين بأن الحكومة لا تقوم بما ينبغي أن تقوم به من توقيف الفاسدين . والحقيقة أنني أعتقد بأن الأردنيين محقين إلى حد كبير في شكوكهم في جدية جهود الحكومة في مكافحة الفساد حيث أن المواطنين يحكمون على نتائج الأمور وليس على تسلسل الإجراءات والتصريحات الرسمية بمكافحة الفساد والفاسدين.
وهنا لا بد أن أبين بأن قضية الفساد الكبير(Grand Corruption) الذي تعرضت له شركة اردنية قبل بضع سنوات قد تم التعامل معها هذه القضية كانت من الأهمية بمكان لكافة الأردنيين ليروا فيما إذا كانت قوانين النزاهة والفساد تطبق على كافة الأردنيين الذين ينص الدستور على أنهم متساوون أمام القانون. نعم إنها قضية كانت تمثل اختبار لجدية الحكومة في مكافحة الفساد وللأسف لم تنجح الحكومة ومؤسسات الدولة الأردنية في هذا الاختبار، وعليه فلا غرابة أن ينظر الأردنيين إلى تصريحات الحكومة بمكافحة الفساد بعين الريبة والشك مما ينعكس بالتالي على شكل إسقاطات سلبية على جهود هيئة النزاهة ومكافحة الفساد . مهمة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد مهمة ليست سهلة ولعل أبرز معوقات جهودها هي تلك المتعلقة بقضايا الفساد السياسي التي لا تحول إليها أصلا ، وهذه القضايا هي الأكثر إيذاء لمؤسسات الدولة الأردنية ليس فقط من الناحية المالية ولكن من حيث ثقة المواطنين بمؤسساتهم ومن ضمنها هيئة مكافحة الفساد نفسها....