«صف على الدور يا أخي طيب هو الدور ماشي حتى أصف فيه» . «أوف طار النهار وبعدنا ما أنجزنا شيء» «تعال بكرة معاملتك ناقصة» «هو أنا بشتغل عندك» «يا ريت الراتب محرز مقابل هذا الشقاء» «خلينا نفطر وبعدين بنشوف المعاملات» «يا أخى ما بطلعلي أشرب قهوة» «أنت على شو شايف حالك يعني داخل علينا بعرض كتافكى مين حضرتك بتكون يعنيى «روح أعلى ما بخيلك إعمل» ..
من لم يسمع هذه العبارات كلما راجع دائرة حكومية مزدحمة !!.
إنه يوم المراجعة لدائرة حكومية , حيث تجري الإستعدادات في اليوم السابق , الأوراق المطلوبة كاملة غير منقوصة وكل الأوراق الثبوتية التي تؤكد أنك أنت نفسك صاحب المعاملة , وفكة من النقود لغايات الطوابع والرسوم , ومظهر لائق مثل بدلة وربطة عنق كدليل على الهيبة حتى يظن الموظف أنك شخص مهم .. المهمة شاقة , وعليك أن تستيقظ مع العاصافير علك تكون في مقدمة طابور المراجعين أو قبلهم , وهو بالمناسبة يشبه طابور عرض الحال , ويبدو ذلك واضحا من تنقل أعين الموظف التي تقلب وجوه المرابطين أمام مكتبه أو شباكه وتقيس طولهم وعرضهم . ويا ويلك إن كانت ثمة سيدة بين المراجعين , ويا ويلك لو أنها جميلة نوعا ما , فما بالك لو كن أكثر من واحدة .
المهم أنك تستيقظ مبكرا جدا ومكره جدا , النكد يسبقك , لأن الموظف قد يعيدك لأي سبب كان إما لإستكمال أوراق يقرر هو أنها ناقصة أو لأن المعاملة تحتاج الى توقيع أو ختم وإما لانك نسيت أو شبه لك أنك متمكن من كل ما يلزم لتكتشف أنك مهما جمعت من أوراق ومهما ملأت المعاملة من أختام وتواقيع ومهما دفعن من رسوم لا بد وأن نقصا غفلت عنه هنا أو هناك , فما أن تصل الشباك , مرتبكا تتصبب عرقا حتى في برد الشتاء وكأنك في إمتحان توجيهي , ويكون لسانك قد نشف من كثرة الدعاء , لا لشيء فقط حتى لا تكرر ما فعلت منذ بدأت يومك قبل أن تستيقظ العصافير ويقرر الموظف عودتك من حيث بدأت .. هذا إن كنت سعيد الحظ وبلغت الشباك وإن لم تكن من أصحاب الحظوظ , فستمضي سحابة يومك تناجي الشباك من بعيد كمن يطلب وصلا بليلى لا يبلغه , وتنظر بعين الإستعطاف عل الموظف يلتفت إليك فيناديك دونا عنالناس أجمعين وتفترض أنه أحبك أو إستلطف مظهرك , لكن ذلك لا يحدث في الدوائر الحكومية أبدا أبدا إلا ب.. كرت إسمه الواسطة أو التوصية أو القرابة أو الجيرة .. أعذرني عزيزي القاريء لقد نسيت شيئا هاما جدا جدا تعرفه ويعرفه الجميع هو أنك بينما تحضر أوراق المعاملة ثمة ورقة هي الأهم تمنحها جهدك كله وإتصالاتك , عليك أن تعرف إسم الموظف وتفتش عمن يعرفه , أو يعرف زميلا له , التوصية ضرورية , على الأقل إن لم يكن ممكنا أن يصطفيك من بين الناس , فهو يمر الى جوارك لتنتهز الفرصة وتقول له .. فلان كلملك أمس , فيقول لك بصوت خافت .. نعم , لكن إنتظر قليلا «» كمان شوي بزرقك «» ..
في بعض الدول ثمة إقتراح بأن يتم تعديل صفة المواطن الزائر للدوائر الحكومية من مراجع الى عميل عل ذلك ينفع , لكني أقترح هنا أنه بدلا من إعطاء الموظف الذي يتعامل مع الجمهور دورات تدريبية في مجال التعامل الحسن مع المراجعين أن نعطي المراجعين المحتملين دورات تدريبية حول أساليب المراجعة وفنونها والأدوات التي يجب أن يتسلح بها لإتمام معاملته .
الصورة ليست بهذه الصعوبة , وأعترف أن هناك مبالغة فيما كتبت سابقا , لكن ماذا لو علمت أن المراسل يعتبر من أهم الأشخاص الذين يجب أن تعرفهم في أي دائرة حكومية ويجب أن تضعه في مقدمة قائمة أهدافك لإستمالته كبداية لإنجاز المعامل .
فهو مثلا يسهل عليك التقدم بسرعة في المعاملة بمجرد أن يمسكها بيده فيراه الموظف بإعتباره فردا من عائلة الدائرة , وبغمزة منه يعرف الموظف أن المعاملة تعنيه أو فيها رزقة له , وفي جيبه قد تجد قصاصات من أوراق الدور التي تقذف بها ماكينات ترتيب الدور الألية , فهو أو من يداوم وأخر من يغادر .
هذه هي يومياتك عندما تراجع دائرة حكومية , وهذه هي الأجواء التي يجب أن تستعد لها , وهذه هي الأدوات التي يجب أن تستعين بها لقضاء حاجتك .
لكن مع هذا كله ثمة وظيفة يمكن أن تقوم عنك بالنيابة بهذا العمل , وهي وظيفة مراجع لدوائر حكومية , ما عليك أن أن تقرأ إعلانات الصحف لتجد «طلب مراجع لدوائر حكومية يبحث عن زبائن»
الراي