تبدأ القضايا الكبرى في العالم العربي، كبيرة جدا، وتصغر تدريجيا، وليس ادل على ذلك من فلسطين وسوريا، فالاولى محتلة وكان الشعار تحريرها، وبات اليوم تدبير رواتب سلطتها وغزة، فيما سوريا، كانت ثورة فصارت ممرا اغاثيا وانسانيا، وهدنة ليومين ليس اكثر.
لا تعرف لماذا لا تبقى القضايا الكبرى في العالم العربي، كبيرة جدا، وماهو السر وراء تذويبها تدريجيا، والارجح ان ذلك، يعتمد على صلابة الطرف الاخر، وبالمقابل على ذاكرتنا التي تنسى، وعزمنا الذي يضعف؟!.
هناك شعوب بقيت تحافظ على قضاياها مئات السنين، وشعوب بقيت على ذات عهدها، لا تتراجع عن فكرة او معتقد او اي امر يخصها، اما نحن فنتعب سريعا، وهذا لهاث قومي، يقطع الانفاس، وذاكرة مثقوبة، وفلسطين التي كانت عربية من بحرها الى نهرها، باتت اليوم، بضعة مدن مقطعة، وكل ما يهمنا افراج الاحتلال عن اموال الفلسطينيين المحجوزة، وهو امر يتشابه من حيث الشكل، لا الجوهر، مع قصة السوريين، الذين كانوا يريدون ثورة، وتغييرا للنظام، وباتت كل القصة اليوم، تتعلق بهدنة لعدة ايام في حلب، لتمرير الغذاء والدواء.
الكارثة اننا كلما صغرّنا قضايانا، جاء جيل جديد، أراد تصغيرا اضافيا، اذ تولد اجيال اليوم، لا تقف عند حدود الشعارات الاولى، بل يبدأ اغلبها، من حيث انتهينا، وقد يأتينا جيل شعاره المطالبة بالدفع بعملات محددة، بدلا من الدولار او الشيكل، وكأن سحرا فرعونيا اصابنا، يحشر الجمهور، في آخر مربع تم الوصول اليه، وتغيب القدرة عن العودة الى المربع الاول، وهي قصة تتشابه ايضا، مع قصة السوريين، مع اختلاف الحالتين، من حيث ان فلسطين، تحت الاحتلال، وسورية تعاني حربا اهلية، فسوريا بدأت ثورة تحت عناوين مختلفة، واصبحت قصتها اليوم، صغيرة جدا، وقد نصل بعد قليل الى شعارات تتعلق بنوعية الغذاء الواجب ادخاله الى حلب، او قوة المضاد الحيوي المطلوب للجرحى.
ربما هناك عوامل ليست سهلة، تدفع باتجاه تصغير القضايا، واعادة انتاجها، لكن بالتأكيد نحن نعاني من الهشاشة، التي تجعلنا نستجيب، وبقوة لكل محاولات اعادة انتاج الشعار والبرنامج، لكن كل هذا لا يبشر بخير، ويؤشر على اننا سوف نتجاوب مع اذابة القضايا، بحيث نصل الى نهايات غير مريحة، ولعل السؤال المعلق، كيف يمكن لنا، ان ننتصر في قضايانا، ما دمنا اول من يتخلى عنها، بطريقة مبتكرة وجديدة، اي تصغيرها وتصغيرها اكثر، حتى تصير لاشيء نهاية المطاف؟!.
الدستور