أصبحت العاصمة عمان والمدن الأردنية الكبيرة تعاني من أزمة سير خانقة، وقد وصلت إلى حدود التفاقم الخطير الذي يهدد حياة الأردنيين ويبدد وقتهم، ويؤدي إلى خسائر فادحة على الصعيدين المادي والمعنوي، والأدهى والأمر أن الأزمة تتصاعد وتزداد تفاقماً؛ لأن أعداد المركبات تتضاعف بطريقة مرعبة لا تتناسب مع البنية التحتية وسعة الشوارع القديمة.
نحن أمام معضلة مؤرقة تهدد المجتمع الأردني، وليس هناك بالأفق ما يشير إلى حلول استراتيجية جذرية قادرة على بعث الأمل في نفوس المواطنين المتعبة التي وصلت حد الإحباط واليأس، وتمضي السنوات ويمضي الزمن، ويمضي معه نزيف من المشاعر التي تقتل الأعصاب وتبدد طاقة الصبر والتحمل لدى الأغلبية الساحقة من المواطنين.
يبدو أننا أمام مجموعة من العوامل والإشكالات التي أدت إلى استفحال هذه المعضلة الأبدية، ويمكن الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات التي تستحق التوقف من كل أصحاب القرار والمسؤولية في هذا السياق منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: غياب الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى التي تضبط عملية الإعمار والإسكان التي تجتاح العاصمة والمدن الكبيرة بطريقة عشوائية، حيث نجد أننا أصبحنا أمام غابة ضخمة من العمائر السكنية، ومجمعات الشقق التي تزيد الضغط على الشوارع والأزقة ومجاري الصرف الصحي والخدمات فوق طاقة تحملها أضعافاً مضاعفة.
الملاحظة الثانية تتعلق في غياب شبكة النقل العام غياباً مذهلاً، فنحن نفتقد إلى شبكة الحافلات السريعة المنظمة، ونفتقد إلى شبكة القطارات الكهربائية والحديدية التي تربط بين المدن والتجمعات السكانية، ما يجعل المواطنين يذهبون إلى حل مشكلتهم الذاتية عبر مركباتهم الخاصة بشكل فردي، ما يزيد حجم المركبات الصغيرة وأعدادها بطريقة مذهلة، وما يتولد عن ذلك من تزاحم شديد؛ خاصة في ساعات بدء الدوام، وفي ساعات الانفكاك من العمل.
الملاحظة الثالثة: الأردن يتعرض إلى موجات لجوء كبيرة متتابعة تفوق قدرة الدولة على استيعابها وتنظيمها على كل الأصعدة، وأحد آثارها يظهر في أزمة السير الخانقة، بالإضافة إلى أعداد مركبات المغتربين والسياح العرب من دول الخليج في أيام الصيف.
الملاحظة الرابعة تتعلق بقرارات الترخيص لبناء قاعات الاحتفالات والمطاعم والمخابز و»المولات» الضخمة ومحلات بيع الخضار في الشوارع المزدحمة، مما يؤدي إلى إعاقة الحركة بشكل دائم نتيجة الوقوف من أجل التسوق من أعداد كبيرة من المستهلكين على مدار الساعة بالإضافة الى البسطات العشوائية وأكوام الرمل وأدوات البناء وأعمال التصليحات وبيوت الأفراح والعزاءات والمواكب التي تغلق الطرق.
الملاحظة الخامسة تتمثل بعدم فرض المواقف الكافية لسيارات المواطنين أمام المحلات، ما يجعل الناس يذهبون إلى الشوارع والأزقة للبحث عن الموقف، مما يزيد الضيق ضيقاً والحرج حرجاً، وليس هناك حلول.
أما الملاحظة السادسة فهي ملاحظة ثقافية تتعلق بآداب السير وآداب استعمال المركبات، وأخلاقيات الالتزام بالمسرب المحدد، بالإضافة إلى تعمد التجاوز والمخالفة على حساب الآخرين بطريقة منفرة.
بناءً على ما سبق نحن بحاجة إلى استنفار حكومي من أجل مواجهة هذه المعضلة العامة المتفاقمة عبر خطة استراتيجية بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار كل الملاحظات السابقة والسير عبر منظومة متكاملة من المسارات المتوازية من أجل الاستدراك وإنقاذ ما يمكن إنقاذه
الدستور