عيوننا لا ترى تلك المأذنة .. ولا ذلك الكوخ
06-12-2016 11:02 PM
مئذنة مسلوبة و مخالبٌ ممدودة
بلدنا التي تضيع من أيدينا في كل دقيقة تمر، نقف أمامها و نتحسر على فقدانها لكننا قادرين على استردادها و لو بعد حين ...
هذه كانت البداية، طريقٌ طويل و نباتاتٍ تغزو الجبال على جانبي الطريق، و شوارعٌ أمر بها للمرة الأولى في حياتي، استمتع بهذا الجمال مدندنة أغاني معاصرة لا تواكب عمر هذا المكان، يستوقفني مشهد في مستوطنةٍ سلبت البيوت من أصحابها كما هي، مئذنةٌ شامخة وسط هذه البيوت لا تزال قائمة بجدرانها، اتعجب للوهلة الأولى من وقاحة المستعمر و بطشه لممتلكاتنا المعمرة؛ التي تثبت حتمية وجودنا على هذه الأرض قبل وجودهم و ادعائهم بأن فلسطين أرضٌ بلا شعب، و تستمر التساؤلات في رأسي حول أصحاب هذا المكان الأصليين و أين هم اليوم و يزداد الفضول حول تاريخ هذه القرية التي أصبحت مُستعمرة.
إلا أنه مع وصولي الى الواجهة المقصودة و رؤية الجمال المسلوب في بلادنا حجبت عني التفكير في كل ذلك، و بدأت المسير في هذه الجنة الى أن وصلت الى أنقاض القرية التي تحولت لمعلم تاريخي مدمر و عادت التساؤلات تجوب بالي مرة أخرى، و أن الإجابة التي أبحث عنها أعلم أنها لن ترضيني كوننا نعيش الألم نفسه. تناقض الأفكار و المشاعر كله كان يراودني في الدقيقة نفسها من حزني على تلك المأذنة المسلوبة أو فرحي بجمال المنظر.
كلها مشاعر تستوقفنا جميعنا في الوقت نفسه، مشاعر الفرح و الحزن الفلسطيني المشترك، آملين بعودةٍ حتمية لتلك الأماكن التي لا يزال تاريخ صخرها المحفور بأناملٍ فلسطينية يؤكد على وجودنا الأبدي، و لا بد لتلك المخالب الممدودة أن تقتلع يوماً ما.
كوخ هذا الزمان!
كوخٌ أعلى الجبل و مدفأة الحطب و جوٌ ماطرٍ هو كل ما يحلم به الكثير منا ليشعر بالدفء، إلا أن واقعنا البعيد كل البعد عن هذه الأحلام يقلبها رأساً على عقب، فلا جبلٌ ليبنى عليه ذلك الكوخ المفعم بالحب، ولا مكان لتلك المدفأة بين جدران المنازل التي باتت متلاصقةٌ مع بعضها البعض، حتى أن المطر أصبح نقمة لهذه الجدران المتعفنة.
صناديقٌ تخنقنا ولا مجال لهواءٍ يمر في جدران تلك البنيان، هذا ما يريده المحتل الذي ينعم بهواء تلك الجبال. واجهة جديدة في كل مدينة تنمو في غضون ثوانٍ من الزمان، يُغفل المارَ بها ما كانت عليه من ملامح، فالعمليات الإنشائية بشكلٍ عشوائي في كل مكان، مشكلات اجتماعية تسرق الفرح من السكان، و ضياع لهوية أبناء هذا الجيل الذي ينمو في بيئةٍ من كل الأشكال.
نسيرُ مُغيبين عن التمتع بجمال طبيعة البلاد، و ندفن أنفسنا في جدران تلك الغرف، و نتخذ من حيطانها ملاذاً للفرار من قباحة هذا العمران، برسوماتٍ توهمنا أننا في أمان، و لكننا في الواقع ببيئةٍ ملوثة المحيط بعيدين كل البعد عن ذلك الأمان الذي نأمل به.
العيون لا ترى !
نستيقظ كل صباح على أمل أن يتجدد يومنا المتكرر الذي لم ينتهي بعد، نقحم ذاتنا في ذلك العالم الذي أضاعنا عن الزمان، نتصبح به و نسلم أنفسنا له. و نغرق في روتينٍ قاتل كاد أن يقضي علينا الى أن نموت و نحن متمسكين به، أصبح موت هذا الزمان يلاحقنا في كل مكان و لا ينسى كبيراً ولا صغيراً و هو يلاحق به ... إنه موت هذا الزمان !
أتدرون ما هو هذا الموت، إنه الموت الذي قضى على حيويتنا و أقتحم حياة كل فرد بنا دون استثناء، ذلك التطور القاتل الذي كدنا نفني حياتنا به و ننسى جمال المكان و قيمة الزمان الذي يمر، هاتفٌ نقال هنا و آخر هناك و آلات يعجُ بها المكان في كل خطوة نخطوها، نغرق و نسرق الفرح من أنفسنا و ندعي أننا نواكب العصر بجمال ألاته، و لكن مع الوقت ندرك كم من اللحظات التي كان على الأجدر بنا أن نستمتع بها قد غابت، نأمل بعودتها مرة بعد الأخرى و لكننا نعود الى نفس الطريق الذي نسير به، أصبح الملل يلامس حياتنا في كل دقيقة مدركين مصدر هذا الملل و لكننا سائرين في دربه، نضع الحلول الى اليوم الأخر لنقضي عليه و نسير على أمل تحقيق هذه الحلول.
هذا هو العصر الذي يُغرينا بعالمٍ وهمي و يبعدنا عن الواقع المليء بالتفاصيل التي أغفلناها؛ تفاصيلٌ صغيرة كان فعلها يُوقد الفرح في نفوسنا و غابت عنا مع الوقت، و أصبح كل واحد منا يعيش في عالم خاص به.
بقلم: اية غنيمات