الكباريتي ومحاولة إحياء مجلس الخبراء
عمر كلاب
06-12-2016 02:13 PM
لم تحظ تصريحات مسؤول سابق بالعناية والتأويل كما تحظى تصريحات رئيس الوزراء الاسبق عبدالكريم الكباريتي، الذي ينتظر الجمهور مناسبات محدودة للاستماع الى ارائه الشائكة والجريئة، مثل اجتماع الهيئة العامة للبنك الاردني الكويتي او اي مناسبة اجتماعية يتحدث فيها الرجل حتى لو كانت جاهة عرس، فالكباريتي قادر على تطويع اللغة وتضمينها رسائله الخاصة مثل العجين وقادر على انتاج تشكيلة واسعة من العبارات والمنتجات .
الكباريتي توقع مبكرا عدم تجديد المنحة الخليجية بحكم معرفته بعقلية الخليج وظروفه السياسية والاقتصادية ومؤخرا كان الرجل على مائدة خليجية مهمة يرسم ملامح العلاقة بين الخليج وادارة ترامب الجديدة رغم انه من المحسوبين سياسيا على الاتجاه الديمقراطي الامريكي، وهذا لا يمنعه من الفهم ولايشكل عائقا امام استقبال تحليلاته الجريئة والقوية، فالرجل مسنود بارث خال من الفساد وبجرأة على اتخاذ القرار دون انتظار شعبوية او سحجة جماهيرية ومع ذلك نال هذا وذاك فما زال الاردنيون مفتونون بالنزاهة المالية اكثر من اي شيء آخر ولم يسبق ان تناقلت الالسن همسا او علنا تورطه بشبهة فساد رغم خصوماته السياسية الكثيرة .
عقلية بحجم الكباريتي وخبرته لا يجب ان تبقى بعيدة عن مطبخ القرار الحكومي، في ظرف استثنائي كما هي الحال الان، فالمؤشرات كما يقول وزير المالية تنذر بالصعوبة، والكباريتي كان في مرحلة حرجة مشابهة لما نحن فيه الان والاستماع الى ارائه جديرة بالاهتمام هو وامثاله من رجالات الدولة، فإذا كان امل حكومة انقاذ وطني بعيد المنال فإنه من الممكن على الاقل تشكيل خلية انقاذ وطني لها الصفة الاستشارية في متناول اليد وتحتاج الى قرار حكومي يبتعدعن المألوف السياسي، او الحسابات الشخصانية الضيقة وأخال الدكتور هاني الملقي اقرب الى ضرورة التفكير خارج الصندوق لاسباب ذاتية وموضوعية .
الارث السياسي الاردني شهد احيانا ظاهرة قدوم رئيس وزراءسابق عضوا في حكومة لاحقة وسمح هذا السلوك السياسي لجيل البُناة من تأصيل البناء الوطني وتكريسه، وانتهاء هذه الظاهرة بشكل مؤسف مؤخرا، لا يمنع من التفكير باعادةاحيائها فالسياسة مثل الذرّة لا تفنى ولكن تُستحدث ولا يوجد مانع من اعادة استحداث التواصل المؤسسي مع رجالات الدولة السابقين، ليس من باب الاستشارة الممجوجة اوالبرتوكولية بل من بوابة المأسسة كان تكون هناك لجنة خبراء اومجلس خبراء اسوة بكل الدول الساعية الى الحداثة والعصرنة.
في لحظات الضيق الوطني تلجأ الدول الى رداء عراقتها للاسترشاد بالتجارب الناجحة وخطوات المنعة الوطني، وفي التراث السياسي الاردني ثمة تجارب ابداعية، لم يتم أرشفتها او تدوينها بشكل مكتوب للاجيال، لكن الشفاهة في النقل مازالت تحفظ هذا الارث والتراث، ورئيس الوزراء الحالي هو احد منتجات هذا الارث السياسي وبالتالي هو قادر على اعادةاحيائه دون ادانة او حاجة للتبرير فوالده اول رئيس وزراء في المملكة الثالثة ومراجعة ارشيفه كفيلة بتزويد الرئيس بأسس انتاج حالة مشابهة لحالة مجلس الخبراء او مجموعة شيكاغو في دول آسيا وغيرها كثير من التجارب الناجحة التي اضافت الى الدول محاصيل عقول من خارج الجسم الحكومي .
ما يقدمه الكباريتي من اراء صادمة ومباغتة وتحظى بالعادة بصوابية ومعقولية تجعله مؤهلا لان يكون جزءا من العقل العام الذي نحتاجه في هذه اللحظة المتشنجة من واقعنا الملفوف بحزام ناري وبتراجع في اوضاع حلفائنا في دول الخليج مما يستوجب التفكير بحلول داخلية اكثر من التفكير بمعونات خارجية باتت صعبة المنال بسبب عوامل ذاتية وموضوعية .
مجلس خبراء حقيقي، ليس ترفا سياسيا او محاولة اكسسوارية في هذه اللحظة، بل يصل حد الواجب الوطني، فالجميع يتحمل المسؤولية ولا مجال لان يتردد احد في محاولة ابتكار حلول وطنية للخروج من اللحظة الحرجة التي ستطالناجميعا بحلوها او مرّها دون الرجوع الى مخزون الذاكرة السلبي او التلكؤ والتأتأة فالجميع ذاق حلاوة الدولة وعلى الجميع ان يشارك في سحب المرارة من لحظتها الراهنة .