الأحزاب العربية وثقافة الاحتجاج
د.رحيل الغرايبة
05-12-2016 02:36 AM
المنظومة السياسية العربية التي سادت طوال الفترة السابقة سواء على صعيد الأنظمة والسلطات الحاكمة أو على صعيد الأحزاب والجماعات والقوى السياسية أدت إلى إيجاد ثقافة حزبية متجذرة في الوجدان العربي، مختلفة عن جوهر الفكرة الحزبية في المفهوم السياسي بمعناها الحقيقي لدى الدول التي تعتمد الأنظمة الحزبية في تشكيل الحكومات وإدارة الدول.
حيث أن الأحزاب في أصل فكرتها تمثل إطاراً سياسياً يضم مجموعة من السياسيين الذين تجمعهم رؤية معينة وأفكار وأهداف ووسائل وأدوات تتعلق بإدارة الدولة، ويحملون طموحات شعوبهم نحو تحقيق الأمن والاستقرار والسعي نحو التقدم والنهوض، وتتنافس بين بعضها على البرامج التي تطرح لحل المشاكل التي تواجه المجتمع.
لكن أنظمة الحكم في العالم العربي كانت بعيدة عن منظومة العمل الحزبي السياسي المعروفة، ولم تكن إفرازاً للحالة الحزبية السائدة في المجتمع، وكان النظام السياسي العربي ينظر إلى الأحزاب نظرة شك وريبة، وينظر إليها أنها منافس على السلطة، مما جعلها تعمل على إبعادها وإضعافها، ومحاربتها أحياناً، ومطاردة أعضائها، مما جعل الأحزاب السياسية في المجتمعات العربية تنمو في بيئة المعارضة الدائمة، وهذا أدى إلى سيادة (ثقافة الاحتجاج) لدى الأحزاب وأعضائها وأتباعها ومؤيديها، وأصبح دور الأحزاب يكاد يكون مقتصراً على انتقاد سياسات الحكومة، والاحتجاج على قرارتها بشكل دائم، وأصبح السمة البارزة للعمل الحزبي في عقل الرجل الحزبي من جانب وفي عقل المواطن وفي عقل المراقب البعيد تتمثل بامتلاك أداوت الاحتجاج المختلفة والمتباينة من إصدار البيانات أو القيام بالمظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية، والمقابلات ورفع المذكرات، والحديث في وسائل الإعلام عن المضامين نفسها التي تظهر في كل وسائل التعبير المتاحة، وأصبحت معايير المفاضلة بين الأحزاب تتجلى في ارتفاع سقوف الاحتجاج وقوة الكلمات وفصاحة البيانات وقدرتها على احتواء عبارات الشجب والاستنكار، والجرأة في استخدام البلاغة في لغة الاحتجاج، ومع مضي الزمن وطول الأمد أصبحت الأحزاب السياسية عبارة عن حركات احتجاج، ولا أحد يتصور وجود الأحزاب خارج هذه الدائرة، وإلّا سوف تقع في دائرة الاتهام والشك والموالاة.
المشكلة الناجمة عن هذه الثقافة الحزبية السائدة أنها أصبحت عملاً من عوامل تشكيل عقلية جمعية على مستوى المجتمع العربي كله، وأصبحت المجتمعات العربية عبارة عن نخب حاكمة في مواجهة كثرة محتجة، وأصبحت الأجيال الجديدة في مواجهة هذا الواقع المعوج، مما يحتم علينا إعادة النظر في المرحلة السابقة برمتها من الناحية السياسية، ويحتم علينا العمل على إحداث توافق مجتمعي على تشكيل مرحلة جديدة، والسير بشكل متدرج نحو تشكيل حكومات برلمانية، وتشكيل أحزاب جديدة مختلفة بجوهر فكرتها ومنهجية التجمع المعتمدة في تنظيم العضوية وثقافتها، من أجل الانتقال نحو الأحزاب السياسية التي تمثل البرامج، ولا تمثل الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق والجهات، وبغير ذلك فإننا سوف نستمر في هدر مزيد من الجهد ومزيد من الأوقات في غير فائدة.
الأحزاب يجب أن تتمثل ثقافة البناء، وتكون جزءاً من مجتمعاتها، تعبر عما تختزنه الجماهير من حب لأوطانها وطموح كبير نحو التقدم والبناء، وأن تكون الأحزاب أدوات لتجميع الطاقات التي تسهم في إتمام عملية البناء وإتمام عمليات التطوير والإصلاح بشكل جماعي واسع.
الدستور