د.الشريف يكتب ل عمون : تلبية لنداء الملكة
د.نبيل الشريف
04-12-2016 11:02 AM
يفرض علينا الواجب أن نصارح أنفسنا بالحقيقة – مهما كانت مرة وصادمة - ، والحقيقة هي أن نظامنا التعليمي تراجع بشكل مروع في السنوات الأخيرة ، ولم يعد من الممكن تناول المسكنات لعلاج هذا التردي المخجل في أدائنا التعليمي ، فقد أظهرت نتائج الإمتحانات الدولية مؤخرا مثل إختبار ( تيمز) أن التردي والتقهقر هما السمة الأبرز لأداء طلابنا الذين تقدموا لهذا الإمتحان الدولي.
كما يحتم علينا الواجب أيضا أن نقول ، ودونما مواربة ، أننا بددنا دعوات تطوير التعليم التي أطلقتها جلالة الملكة رانيا خلال السنوات الماضية ، وصرفنا كثيرا من الوقت في نقاش لاطائل من ورائه ، مع أننا جميعا متفقون – بغض النظر عن منطلقاتنا الفكرية – على ضررة الأخذ بأسباب التطور والتقدم في كل المجالات.. والنتيجة أن منظومتنا التعليمية هي التي دفعت الثمن الباهظ لترددنا في تلبية طموحات جلالتها في تعليم حديث متطور ، فتفاقم التردي وإستتفحل العجز وإستحكم القصور.
لقد أدخلنا موضوع تطوير التعليم ضمن خلافاتنا المفتعلة وأجنداتنا المتصارعة مع أنه – من حيث المبدأ - قضية غير مختلف عليها ، فهل ثمة من يقف ضد التطوير وتحسين المسار؟
ولعل الطريقة التي قدم بها موضوع التطوير هي التي جلبت كثيرا من ردود الفعل السلبية ، فقد عرضت عملية التطوير بشكل إنتقائي مجزوء ، وكأنها تستهدف إستبدال نصوص بنصوص أخرى ، وكان يجب التأكيد منذ البداية أن الهدف هو إستبدال نظام تعليمي عقيم يقوم على التلقين والحفظ بنظام شهد العالم بنجاحه يقوم على تعليم الطلاب التفكير المستقل والتحليل الإبداعي وتنمية مهارات التقصي الذاتي.
لقد شخصت جلالة الملكة رانيا مشكلة نظامنا التعليمي في كلمتها الضافية خلال حفل إطلاق الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية الذي جرى مؤخرا برعاية جلالة الملك عبد الله الثاني ، فقد قالت جلالتها في تلك المناسبة أن "التغيير الأهم هو أن نكسر القوالب الفكرية والمحددات التقليدية التي جعلت تعليمنا جامدا لا حوار ولا حياة تنبض فيه.. ثابتا تتغير الأزمان وتكبر طموحاتنا وهو لا يجاريهم."
إن السمة الأبرز للنهج التعليمي المعمول به في بلادنا حاليا هو أنه تعليم تلقيني ذو إتجاه واحد أي أن المعلومة تنطلق من المعلم صوب الطالب ، وليس مطلوبا من الطالب سوى التلقي والحفظ ثم إسترجاع هذه المعلومة بحذافيرها دون زيادة أو نقصان ( ودون فهم أيضا ) في الإختبار.
أما إذا ماقيض لطلابنا أن يخرجوا إلى فضاءات عالمية من الإختبارات التي تقيس الفهم لاالحفظ مثل إمتحان (التيمز) الذي يقوم على التحليل والتقصي ، فإن نتائج طلابنا تكون كارثية لأنه لم يتم إعدادهم ليفكروا ويحللوا بل ليحفظوا ويكرروا ماحفظوا دونما إستيعاب.
وأعترف أنني ، عندما كنت أقوم بالتدريس الجامعي قبل عدة سنوات ، كنت أجد صعوبة بالغة في إقناع طلابي ( وهم نتاج هذا النظام التعليمي التلقيني) لتقديم قراءاتهم المستقلة وتحليلهم الناقد لفكرة كنا نناقشها أو طرح كنا نقلب جوانبه المختلفة.
لقد حذرت جلالة الملكة رانيا في الكلمة التي ألقتها في حفل إطلاق إسترتيجية التنمية البشرية من " تقاذف اللوم " مرة ومن " تقاذف المسؤولية " مرة اخرى ، وكأنها كانت تقرأ بشكل إستباقي ردود الفعل على طروحات تطوير التعليم قبل ان تقع.
لقد وقع ماحذرت منه جلالتها وإرتكب الجميع أخطاء كنا في غنى عنها وتورطنا كلنا في تقاذف اللوم والمسؤولية الذين حذرت منهما.
وقد جاءت النتائج الصادمة لإمتحانات " تيمز " لتؤكد أننا جميعا اضعنا فرصة ثمينة ، بل أوشكنا أن نسهم في إضاعة مستقبل أبنائنا.
لقد آن الأوان كي نوقف هذا الخذلان وننهي هذا التردد ونعيد قضية تطوير التعليم إلى مربعها الأول الذي دعت إليه جلالة الملكة رانيا منذ سنوات والداعي إلى ضرورة الشروع فورا في التخلي عن المسار الذي يقوم عليه نظامنا التعليمي القائم على التلقين والحفظ وإستبداله بنظام آخر يجسد المثل الصيني الذي يحض على تعليم الجائع كيف يصيد عوضا عن إعطائه سمكة كلما إستبد به الجوع .