هل انتهى الربيع العربي حقاَ ام اننا بانتظار جولة جديدة؟
معظم المؤشرات في اللحظة الراهنة تشير الى ان هذا الذي اسميناه ربيعا انتهى الى غير عودة، ، وكأننا فعلاً امضينا ست سنوات في متابعة “مسلسل” طويل ثم فوجئنا في “الحلقة” الاخيرة ان ما شاهدناه كان مجرد “كذبة” كبيرة، صحونا بعدها واذا نحن – كما كنا – لم نتغير.. ولم نتزحزح من فوق مقاعدنا.. ثم اكتشفنا – لاحقاً – اننا “تقمصنا” الاحداث والشخصيات التي ادت أدوارها “ببراعة” وتصورنا بأنها تمثلنا فعلا، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تماما، لدرجة ان بعضنا اصبح يتمنى لو ان هذا الذي حدث لم يحدث ، ولو ان عقارب الساعة عادت للوراء ، وبقيت الانظمة كما هي لم تتغير.
الصورة الان كما يلي : الانظمة التي تصورنا ان الربيع العربي “اسقطها” الى غير رجعة، عادت او هي في “طور” العودة، والحرية والكرامة والديمقراطية التي استبشرنا بأنها استعيدت لم تعد الا للحظات، ثم اختفت وراء القتل والاعتقالات ودعوات الشيطنة، اما مرتكزات نجاح الثورات التي حددها بعض المختصين في هذا المجال فلم تعد قائمة: خذ مثلا حاجز الخوف هذا الذي قيل بأنه “فجر” غضب الناس، للاسف ما زال هذا الحاجز ماثلا، وان تحطم منه جزء هبت “السلطة” الجديدة لاعادة بنائه، وخذ – ايضا – “السلمية” التي قيل بأنها سر نجاح “الثورات” فقد تحولت الى “عسكرة” وعنف، وخذ ثالثا الاغلبية الشعبية، وهذه للاسف ايضا جرى تقسيمها وتخويفها ودفعها الى افتعال الصراع فيما بينها فلم تعد “الميادين” موحدة وانما تحولت الى “خنادق” متقابلة ثم لاحظ ان الجيوش التي “ساندت” الثورات في المرحلة الاولى تحولت انظارها لمعاقبة “الشعوب” والتمهيد لتلميع نفسها من اجل “البقاء” في السلطة.. او انتزاعها من جديد.
هل انتهت القصة اذن..؟ الاجابة التي يقدمها تقرير التنمية الانسانية العربية الاخير (تشرين الثاني 2016) تبدو مختلفة ومفزعة ايضا ، صحيح ان ما يحدث الان امام عيوننا من مشاهد دامية لا نملك في مواجهتها الا اشهار عجزنا لا تقل عنها فظاعة ، لكن الجديد هو ان الشعوب التي تصورنا انها استسلمت لاقدارها والتاريخ الذي اوشكنا ان نصدق انه انتهى ، والامة التي كدنا نبصم بالعشرة انها ستنقرض ..كل ذلك ليس صحيحا بالضرورة ، لسبب بسيط وهو ان القصة لم تنته بعد والربيع الذي اشهرنا “نعيه” لم يمت ايضا حتى لو اعتقد البعض اننا دفناه في المقبرة.
الوضع في عالمنا العربي ، كما ورد في التقرير ، اسوأ مما كان عليه قبل الربيع العربي، ففي عام 2002 كان هنالك (5) دول عربية فقط غارقة في الصراع ، اما في عام 2016 فاصبحت (11) دولة ، ومن المتوقع ان يكون 3 من بين 4 اشخاص عرب يعيشون في البلدان المعرضة للصراع مع حلول عام 2020.
مع فشل الدولة العربية يشعر الشباب بالانتماء اكثر لدينهم او طائفتهم او قبيلتهم اكثر من الانتماء لبلدانهم ( الوطنية) ويميلون للاحتجاج اكثر من المشاركة في التصويت ، يضيف التقرير : العالم العربي وطن ل 5% من سكان العالم لكن هنالك 45% من النزاعات العنيفة الموجدودة في العالم موطنها عربي ، و68% من الوفايات في العالم ناجمة عن المعارك التي تدور فيه ، وهنالك 47% من النازحين داخليا و 58% من اللاجئين هويتهم عربية.
يمكن هنا ان نضيف : يبلغ عدد الشباب في العالم العربي (15-29) 105 مليون منهم 30% عاطلون عن العمل ، واكثر من ذلك يعانون من الامية ، 50% من النساء عاطلات عن العمل ، نسبة الانتحار ارتفعت وكذلك الجرائم والمخدرات ، اما التهميش والعزوف عن المشاركة في العمل العام والخوف من عصا الامن وانحباس الحريات العامة ..الخ ، فما زالت شواهد ماثلة على ان اوضاع العرب الان اسوأ مما كانت عليه قبل 2010 ، العام الذي احرق فيه بوعزيزي نفسه واطلق حينئذ “مارد” الاحتجاجات من قمقه .
هل نحن اذن امام جولة جديدة من “الربيع” الذي سميناه عربيا..؟ وهل سيكون سلميا ام اشد عنفا ..والاهم كيف يمكن ان نستبقه واذا فاجأنا كيف سنتعامل معه..؟
اترك الاجابة لمن يعنيهم الامر ، لكن لدي ملاحظة على الهامش وهي تتعلق بعاملين اثنين ما زالا قيد الرهان لجولة قادمة من هذا الانفجار الذي حدث، أحدهما: الشعوب التي استيقظ منها مارد الغضب قبل سنوات، ولم تستسلم بعد رغم ركونها لمحاولات الاخضاع والاسكات، والعامل الآخر الظرف الموضوعي الذي رافق انطلاق الثورات العربية كما رافق اجهاض ما انجزته من تحولات ، واعاد عقارب الساعة للوراء، هذا الظرف الذي اصبح اسوأ – كما اشار تقرير التنمية العربية الاخير – كفيل بدفع الناس الى “يقظة” جديدة، او جولة اخرى من جولات الغضب، خاصة بعد هذا الثمن الكبير الذي دفعته الشعوب للتغيير، والنتيجة التي صدمت بها بعد انكشاف المستور!
الدستور