عالمنا وسط التطرف العالمي
فايز الفايز
04-12-2016 12:31 AM
إن مجرد قراءة سريعة في خارطة العالم السياسية يدل المتابع على تحولات العالم السياسي المقلقة، فصعود اليمين بشكل متسارع وتقهقر الوسط و اليسار واحتضار»النيوليبرالية»وسيطرة الأحزاب الدينية وأقصى اليمين على المعترك السياسي وانتشار المدّ الإعلامي المرّوج للجماعات الإنفصالية والإرهابية حول العالم، وبروز جماعات التحريض ضد مؤسسة الدولة في كثير من دول العالم، كل هذا وأكثر يكشف سوء الإدارة القيادية للسلطة السابقة في عالمنا وعلى رأسهم الولايات المتحدة وأوروبا،وارتباطاتها المريبة مع بعض قيادات في دول العالم الثالث أوعربية سابقة رغم فسادها البائن، ما جرّ العالم العربي الى صراعات داخلية وثورات لم تغير في واقع الحال شيئا، سوى تدمير بنية المجتمعات ومؤسسات الدولة وتشريد مواطنيها وجعلها ساحة للإرهاب السلطوي والمستورد.
ففي الولايات المتحدة لا زال المجتمع الدولي يختصم حول فوز دونالد ترمب رئيسا ينظرالجميع له بعين الخشية من نهجه القادم بناءً على تصريحاته المعلنة خلال الحملة الإنتخابية ونواياه المعادية لفئات عدة من شعوب العالم حسب الجغرافيا والسياسة والدين،ولكن قليلا هم من ذهبوا الى المشكلة الجديدة المتمثلة بالرِدّة الإجتماعية والسياسية عن القيّم الديمقراطية العادلة في المجتمع الأمريكي الليبرالي متعدد المدارس السياسية، والغربي عموما، ما يوضح كيف استطاع ترمب إيقاظ النزعة اليمينية وكراهية الآخرفي الغالبية الشعبية وذوي البشرة البيضاء هناك.
أوروبا التي تنتظر عاما جديدا ساخنا ستجري فيها إنتخابات قد تغير وجه السياسة والمجتمع الأوروبي نحو اليمين أكثر في ظل خطاب شعبوي شبيه بخطابات ترمب، ففي فرنسا فاز اليميني «فرنسوا فيون» بترشحه نحو سباق الرئاسة، فيما النمسا تنتظر مرشح اليمين المتطرف «نوربرت هوفر» الأوفر حظا، وكلا الرجلين لم يخفيا مشاعرهم الشوفينية ومهاجمة الأصولية الإسلامية وتهديد عصر اللاجئين الجدد من دول العالم الثالث.
في الشرق الأوسط هناك رئيس لحكومة يمينية متطرفة هو بنيامين نتنياهو الذي فوضه المجتمع الصهيوني اليميني في إسرائيل لأن يصبح ملكا يهوديا عليهم طيلة عشر سنوات دموية، ورغم أنهم يدّعون أن إسرائيل هي الدولة العلمانية الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط،لكنهم لا يرون كيف تحولت الى دولة عسكرية عنصرية يمينية، ليس لأي لون سياسي آخر مكان كبيرفيها،لتبقى وريثة لقيم السلطة الإستعمارية الإنهتازية
في إيران لا يزال التطرف نحو اليمين العقائدي وحكم الطائفة المذهبية قاعدة أساسية في إدارة الدولة الثيوقراطية الأكبر في العالم، وهي تتخفى بقناع ديمقراطي أحادي على رأسها، فيما جسدها كله عار فاضح،وأياديها لا تتعب من محاولة إنتاج نسخ حكم فارسية تشبهها أو تلدها بالأحرى في منطقة الشرق الأوسط ومن الواضح تباين المواقف السياسية والأيديولوجيات ما بين أمريكا الجنوبية والشمالية اليوم،والشمالية – الشمالية، الولايات المتحدة وكندا مثلا، وتباين المواقف في أوروبا وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي واحتدام الجدل حول تركيا وعزلها، ونزاع المواقف في أوروبا الشرقية مع وضد القضية الأوكرانية، ومجابهة موجة اللجوء العربي بالقوة،هنغاريا وبولندا مثلا، كذلك تساهل المجتمع الدولي الغربي تجاه إيران ودفعها لتكون قوة قادمة تمثل اليمينية الطائفية و بروزها كقوة أخطبوطبة في الشرق الأوسط.
كل ذلك يدلل على سقوط نظرية الوسطية وعدم الإنحياز السياسي،وهذا مؤشر خطير لتراجع الدور العربي في تقرير مصير بلادنا،في ظل شعبوية يمينية سياسية عالمية، تركت الباب مشرعا لتدخلات الدول العظمى في مصائر العالم الضعيف بلا رحمة، فسيطرة واشنطن الجديدة تقابلها سيطرة موسكو اليمينة التقليدية وفي الشرق الأقصى تتقارب الصين الشيوعية مع تحولات العالم الغربي الذي ستكون فرنسا القادمة والنمسا والمانيا في يد اليمين المخادع، فأين العرب الباقية من كل هذا لقد ثبت إن مبادىء الإسلام التي يتضمنها القرآن ونصوص السنة النبوية ،والتي ضمنت حقوق جميع الأفراد في مجتمع الدولة السياسي والشعبي،هي الثابت الوحيد طيلة قرون خلت،فيما جميع المدارس والنظريات السياسية والأفكار التي بُنيت عليها دول عظمى كالمعسكر الإشتراكي أو المعسكر العلماني أو الدول التي تتبنى الأسس الليبرالية، كلها سقطت أمام عواصف التغيير نحو اليمين الشعبوي والتطرف المادي. لهذا لا يمكن توقع شكل العالم خلال العقد القادم،والعالم العربي ليس إستثناءاً منه، فالوسطية التي تميزت بها الحضارة الإسلامية باتت مهددة من قبل الجماعات التي تعتمد على خداع الجهلاء والرعاع، فهل تستيقظ الأنظمة العربية وتعيد إنتاج نفسها على قواعد شعبية متلاحمة توقف الإنهيار الوشيك؟
الراي