الامن الناعم والعدل النائم
المحامي محمد الصبيحي
03-12-2016 09:52 PM
كلنا سمعنا ما سبق أن أطلق عليها سياسة ( الامن الناعم ) وهي سياسة اتبعتها اجهزة الامن الاردنية في فترة الربيع العربي وتتلخص – على ما فهمت – بالتعامل مع الاحتجاجات والاعتصامات والمشكلات الامنية بالحوار والتفاهم والتعاون مع هيئات المجتمع السياسية والعشائرية , وفي تقديري انها سياسة جيدة حققت نجاحا الى حد كبير في احتواء العديد من الاحداث ولكنها سياسة محدودة غير قادرة على الاستمرار .
والجواب أسوقه اليكم من رسالة والي خرسان الى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز التي أعاد تذكيري بها مقال نشره مؤخرا الفريق المتقاعد موسى العدوان .
فقد كتب الجراح بن عبد الله والي خراسان الى عمر بن عبد العزيز يقول (( يا أمير المؤمنين ان أهل خرسان ساءت رعيتهم وطباعهم وكثر ضجرهم , وأستأذنك في تقويمهم بالسوط والسيف , فان رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك )) ..
فرد عليه عمر بن عبد العزيز (( أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وطباعهم وكثر ضجرهم وأنه لا يصلحهم الا السيف والسوط , فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام )).
ومنه أقول أن الامن سواء كان ناعما أو قائما فلن يصلح الحال اذا كان العدل نائما .
واذ كثرت شكاوى الاردنيين وتبرمهم بل وسخطهم على كثير من الاحوال وارتفع معدل الجريمة وتنوعت صنوفها واصبح تعامل الناس مع بعضهم بعضا مشوبا بالتوتر والعصبية والخروج على القانون والاعتصام بالعشائرية والجهوية فان علينا أن نعترف بأننا مجتمع ضعفت فيها مبادىء العدل وشاع فيه الظلم وبتنا نلجأ الى الواسطة حتى في ساحات المحاكم ونستقوي على ضعيف السند والعصبة .
ولمواجهة واقع الجريمة لجأنا الى تطوير أجهزة الامن والتحري وزيادة اعداد افراد الشرطة وتزويدهم بالمعدات المتطورة لكشف الجريمة وملاحقة المجرمين وهذا واجب جيد لا نعترض عليه بل ونزيد بأن اجهزة الامن في بلدنا تتمتع بكفاءة تحسد عليها وكثيرا ما نفتخر بها ويشيد بها القريب والغريب .
وبالعودة الى رد الخليفة عمر بن عبد العزيز فان العبرة أن قوة الشرطة وحدها ليست الا الجناح الايسر للأمن المجتمعي أما جناحه الايمن فهو العدل بين الناس ولن يتحقق الامن وينصاع الناس للنظام والقانون عن قناعة ومحبة الا بالعدل ,, العدل الذي يساوي بين أبن الوزير وبين ابن الفقير ,
العدل الذي يكون فيه القاضي مهيبا حكيما ويلتزم الحكام من أعلى مرتبة في الدولة الى أصغر حاكم اداري ومسؤول فيها باشاعة العدل بين الناس , وحينها ستتراجع الجريمة وسنغلق سجونا زادت عن الحاجة .
العدل في بلدنا نائم في مستويات ومجالات كثيرة والتمييز والمحاباة تنتشر على حساب العدالة والمساواة وليعلم رجال الدولة أنه لا سخط الا خلفه ظلم .
وحين يقوم العدل بين الناس سنقول أن افضل سياسة هي ( العدل القائم والامن الناعم ) .