لو عدنا بكثير من اسباب الحروب التي نشبت بين العرب على مدار تاريخهم الى مردّها في بنى الأنفس وطوايا الصدور لما خرجنا بها عن العنجهية وتفخيم الذات والفخر بالآباء والاجداد.
ولو وجّه العرب قواهم ورشح اذهانهم الى ما فيه صلاح أحوالهم واستقرار السلام بين ظهرانيهم, ولم تتراخ بهم القرون المتطاولة وهم في تناحر وتفان, وتراث ما تهدأ حتى تثور, لكانوا اليوم في مقدمة الامم علماً ومدنيّة وحضارة, ولتبوّأوا مرتبة الشهادة على العالمين ولكانوا الأمة الوسط التي تشتد حاجة البشرية اليها, والى شهادتها بالحق فيما تختلف فيه, ولكانوا حجّة دين الرحمة والعدل عليها.
واذا كان من أمر العقلاء أن يفيدوا من تجاربهم, وأن لا يكونوا في غطاء من عقابيلها, كما قال زهير بن أبي سلمى في اعقاب الحرب التي انهكت عبساً وذيبان:
وما الحرب الا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجّم
اذا كان هذا هو شأن اولي الالباب, فإن تنكّبهم لما يجنّبهم ما يمزّق شملهم ويوهن قواهم ويجعلهم نهباً لاعدائهم المتربصين بهم, لا يجد, فيما نعتقد, تفسيره الواضح في غير هذه العنجهية التي اشرنا اليها مطلع الحديث, وفي غير ما تدفع اليه من حماقات تؤرث حماقات, ومن تظالم يولّد تظالماً, ومن ظغائن لا تلبث أن تتمثّل دماً مسفوكاً وخرائب تصفر فيها الرياح, وحرمات تستباح.
لقد غلبت الجهالة الحكمة على العرب, فلم يدخلوا في السلم كافة كما هو التعليم القرآني, وجعلوا رائدهم (وقد جعلوا كتاب الله وراءهم ظهرياً) قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن احد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فكان نتيجة ذلك ان تأدّى بهم «الجهل العالي» الذي هو العنجهية والعصبية الجاهلية المنتنة الى أن يلهثوا في غبار الشعوب, وأن يكونوا ضحكة الضاحكين وتسلية اللاعبين الذين مهروا في استغلال ما تنطوي عليه العنجهية من كبر وبأو وعجب وزهو وحماقة, وفي دفعه الى قصاراه من توهينهم وافشالهم, حتى صاروا مثلاً يضرب, وبئس مثل الغافلين.
عن الرأي