ضعف الأحزاب .. مسؤولية الدولة أم مسؤوليتنا
عدنان الروسان
02-12-2016 05:18 PM
إن المخاض الطويل للحركة التي تقدم نفسها على أنها حركة وطنية ( رغم كثرة مكوناتها و تباعدها في الفكر و الزمن ) لم يكن ينتج عنه أي شيء البتة ، و كان يتبدى بوضوح في كل مرة أنه حمل كاذب و أن الغالبية الساحقة ممن يقومون على هذه الحركات لم يكونوا يسعون لأكثر من أن يكونوا في مقدمة الصفوف انتظارا للغنائم و الوصل إلى ما ينتقدون الآخرين لأنهم وصلوا إليه ، و لم تكن الأحزاب بأفضل حالا من الحركات و الأفراد الآخرين في الحركة الوطنية المزعومة ، فالأحزاب قدمت أمثلة صارخة في الأنانية الفردية و التصارع على المناصب مهما صغرت و قدمت نموذجا دعم مقولة أننا لا نستحق الديمقراطية بعد و أننا شعب نميل إلى نمط الأحكام العرفية أكثر مما نميل إلى النمط الديمقراطي.
لم تتقدم بعد مجموعة من الرجال ذوي العزيمة الوطنية و النفس القومي العروبي و الفكر الديني الأصيل البعيد عن التشنج و التنظير و التطرف و المماحكة ، و التطاول على النظام السياسي و رأس الهرم في الدولة ربما لإثبات الرجولة و الفحولة السياسية ، لم تبرز أو تتقدم مثل هذه المجموعة لتشكيل حزب سياسي يكون همه الأكبر هما وطنيا بامتياز و أن يكون البعد المصلحي لأفراده و قياداته متوافقا مع البعد الأخلاقي تماما ، و أن يكون لهذا الحزب إستراتيجية واضحة المعالم و أولويات مبنية على مفردات تأخذ بعين الاعتبار الهموم الوطنية و المجتمعية الكبرى و أن لا يكون الصدام مع الدولة هدفا و لا النقد و التجريح أداة من أدوات الوصول إلى المغانم القريبة العاجلة.
ليس هناك زعامات وطنية أو خامات لزعامات وطنية كما يبدو ، كما أنه من الواضح أن مفهوم الولاء و الانتماء و الذين كانا يجب أن يكونا محركين رئيسين في العطاء و البناء و الإبداع باتا محركين رئيسيين في الانقسام و تبادل الاتهامات و الشتائم بشأنهما و كان ذلك و ما يزال نابعا من عدم فهم لمضامين الولاء و الانتماء و شح الثقافة السياسية و الحزبية عند الغالبية العظمى ممن يمتهنون مهنة السياسة ، إن مضامين الخوف و الرجاء و الهلع و الجشع حركا كل دوافع الشر في نفوس الكثيرين من الساسة و مدعيها لاستخدام مضامين وطنية و إنسانية للوصول إلى أهداف فردية بحتة لا علاقة للمفهوم الوطني بها .
إن المجال الحيوي للوطن و العمق الإستراتيجي الوطني لم يكونا متمثلين أو واضحين في برامج الأحزاب السياسية ، أو ربما معروفين حتى لمعظم قادة الأحزاب و التيارات السياسية و الوطنية كما أن أولئك القادة ( إن جاز التعبير ) لم يكونوا على دراية بالتهديدات و الأخطار الجيوسياسية التي تتهدد الأرض التي يتصارعون عليها لأهداف تكتيكية لا تسمن و لا تغني من جوع ، لم تبذل الأحزاب أي جهد يذكر لاستقطاب المكونات الرئيسية الكبرى التي تكبر بها الأحزاب و لم تخاطب الأحزاب الشعب أو شرائحه و مكوناته ، لقد كان الخطاب و التوجه نخبويا وكان الهدف الأبرز و الأسمى لمعظم قادة الأحزاب و قيادات منظمات المجتمع المدني الظهور بأبهى الصور و أجمل ربطات العنق في الاحتفالات الرسمية و بجانب رؤساء الحكومات و الوزراء الذين يهاجمونهم ليل نهار، كان و ما زال معظم هذه القيادات لا يمتلكون الثقافة السياسية و الفكرية و العقيدة السياسية اللازمة لقيادة تجمعات سياسية حزبية قادرة على إنتاج حالة جديدة ، حالة وطنية تكون إضافة نوعية لوطنهم و تثري العملية السياسية برمتها و تقدم نفسها كجهة قادرة على المشاركة في المسئولية و استنباط الوسائل التي تتهم الحكومات بأنها عاجزة عن استنباطها و تقديم الحلول العملية الناجعة للمشاكل الرئيسية الكبرى و المتمثلة بالفقر و البطالة و الفساد .
ولو راقبنا ما يقوله الكثير من المسئولين و المسئولين السابقين و المعارضين و قادة لأحزاب سياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين لوجدنا أن حالة الشكوى و التذمر و الاتهامات المبطنة و ادعاء الحكمة هي السمة الطاغية على الخطاب السياسي الذي نسمعه ، بينما نحتاج لتغيير إرادة الدولة السياسية تجاه بعض القضايا إلى خطاب سياسي مبني على أسس علمية عقلانية واقعية تأخذ بعين الاعتبار البعد الإنساني و العاطفي للشعب و تأخذ بعين الاعتبار من جهة أخرى طمأنة الدولة أن العم الحزبي يشكل ارتقاء لمضمون و شكل الدولة و ليس تهديدا لها.
إن عناصر القوة التي كانت تشكل العمود الفقري للوطن بدأت بالتآكل منذ سنوات ، و حينما نتحدث في العلوم السياسية عن عناصر القوة فإننا ننحي جانبا البروباغندا التي تستخدم للاستهلاك الداخلي و نتحدث عن عناصر القوة و المنعة الحقيقية التي تحمي حدود الوطن و مجاله الحيوي و عمقه الإنساني و تفاعل عناصره الإيجابي مع بعضها البعض و هنا نجد أن فراغا كبيرا قد حدث في السنوات الأخيرة حيث فقدت النخب السياسية و الحكومات قدرتها على القبول لدى الشعب و لم يتمكن أي حزب من الأحزاب من ملأ الساحة السياسية ليكون بديلا محتملا قادرا على تلبية المتطلبات الضرورية للدولة القوية و التي تحتاج لحكومة قوية و بالتالي فإن حزبا قويا يمكن أن يشكل حكومة مقبولة من الشعب و تحظى بالتفاعل الإيجابي من الطبقات الفقيرة التي تشكل الأغلبية الساحقة من عدد السكان.
إن السياسيين أو الراغبين في العمل الوطني و الحزبي تحديدا عليهم أن يتخلوا عن مخاوفهم من الدولة و اعتبار أن الدولة و مؤسساتها و أجهزتها عدو للناس و للأحزاب و العمل السياسي من حيث المبدأ لأن وضع هذه الافتراضات و المخاوف من البداية يجعل من المستحيل على أحد العمل أو المحاولة ، و لا بد من الاعتراف أن عوامل الخوف باتت متأصلة بين الطرفين نتيجة للتجارب التاريخية السابقة و هنا لا بد بالضرورة من إعادة صياغة الخطاب السياسي الحزبي و التخاطب بصراحة و وضوح و أن تكون الأهداف التي يسعى لها الحزب غاية في الشفافية من جهة و على قدر من الأهمية من جهة أخرى و أن يكون الحزب قادرا على إنتاج إستراتيجية مكتوبة يفترض أن لديها حلولا للمشاكل التي يعاني منها الوطن ، و لديه رؤيا سياسية داخلية و خارجية تؤهله للمشاركة في الحكم أو تشكيل الحكومة بمفرده لو أمكن.
إن الساحة فارغة تماما و مهيأة تماما لحزب وطني صادق بفكر إسلامي حضاري و بعد نظر يتعامل مع الثوابت و المتغيرات بالمنطق و ينتمي للمدرسة الواقعية و خال الهوى من شهوات الفساد و سيحظى أول المتقدمين لملء هذا الفراغ بقبول و نجاح منقطع النظير إذا تمكن من صياغة خطاب سياسي بالمواصفات التي أشرنا إليها .