لم يعد لدينا اي قدرة على الحزن، فالحزن ذاته له حد، ولايمكن ان ترى حزنا بلاحدود، لكنك في المشرق العربي، بحاجة الى شيء آخر، يتفوق في قدرته على الحزن، كدواء لمواجهة مانراه.
هل يكفي الحزن، لمواجهة مانراه في كل سورية مثلا، لتوليد الصبر امام مشاهد اطفال حلب، وقبل ذلك، اطفال غزة وكل فلسطين، وبينهما قوس كبير من المآسي الانسانية، التي تتسم ببشاعة من نوع خاص؟!
ماهو الدواء الذي يمكن ان نواجه به كل هذه المحن، غير ان يوصينا من يوصينا دوما، بالصبر والتوكل على الله تعالى، او من يحضنا على انتظار اللحظة التاريخية لصناعة المستقبل.
اغلب الظن، اننا ندفع الثمن يوميا، من ارواحنا التي تتكسر، وتتحطم، ببطء شديد، امام مانراه من مشاهد مؤلمة جدا، تصب في الذاكرة والوعي، ذاكرة الكبار، ووعي الصغار الذي يتشكل؟.
ربما حتى الحزن لم يعد متاحا، فهذه المشاهد المؤلمة جدا، في كل مكان، في المدن المحترقة في سورية والعراق وفلسطين ولبنان واليمن وليبيا،تتسبب بأمر من امرين، اما حقد على الحياة، وغضب على الدنيا، بما يولد ردود فعل عنيفة، تقودنا نحو مايسمونه التطرف، واما هروب الى اللذة، بما تعنيه هذه الكلمة، امام حالة القهر والشعور بالضعف، والالم الذي يتسلل الى الدم، فيصير الانسان، بحاجة الى اعادة صرفه خارجا، ولو عبر التورط في كل لذة حرام.
هذا مانراه فعليا هذه الايام، فنحن امام امة تنشطر الى اثنين من باب رد الفعل، تدين شديد، او انحراف شديد، فقسوة المشاهد، لاتدع روحك كما هي، بل تزلزلها وتعيد تركيبها، كيفما ارادت، اما التوسط، فقد تبدد.
هذا زمن صعب جدأ، والذي يقول لك ان الناس باتت معتادة على صور الشهداء والجرحى، صور الاطفال الممزقة اشلاؤهم، صور البيوت المهدمة، اولئك الذين يغرقون في البحر، او دمهم، وغير ذلك من صور، يريد فعليا ان يقول ان الامر بات عاديا، لكنه ينسى ان كل هذا الالم، يصب في ارواحنا، وسننقله من اصلابنا الى ذرياتنا، ومن يأتون بعدنا، ويستحيل لامة متألمة، ان تطرد المها، بهذه البساطة، والا فهي بلا روح.
الذي يشتغل مثلنا في الاعلام، يتألم اكثر، فالناس يرون عشر صور، ونحن نرى الف صورة، هم يرون لقطة في الاخبار، نحن نرى كل الفيديوهات، نحن نتسمم اكثر، واغلبنا يموت قهرا، بنوبة قلبية، او على قارعة التقاعد حزينا، من فرط ماسمع وما رأى.
الذين يظنون ان آلام الموجوعين، في حلب، لايصل صداها الى ارواحنا في عمان وبغداد والقدس، جهلة، فروح المنطقة واحدة، حيثما تألم بعضها، حمل البعض الاخر، كلفة الالم، ضنكا وتعبا، وهذا يفسر ان بلدا مثل الاردن، محاط بدول وشعوب منكوبة، وفيه ملايين البشر، وصلوه ذعرا وخوفا، من الموت، تراه متعبا مثقلا، روحه تئن تحت وطأة احزان من فيه، ومن حوله وحواليه، بارادتنا او بغير ارادتنا، لايمكن ان تتجنب حزنا من حولك، فطاقة الحزن، تمتد الى كل مكان، فهذا بلد المحامل.
لكنني من فرط الحزن، على امة تقطعت اوصالها، اسأل هل الحزن بات كافيا،واذا لم يكن كافيا، فما هو الدواء البديل؟!.
الدستور