قليل من الدعوات وشيء من «البخور» .. !
حسين الرواشدة
02-12-2016 01:03 AM
1 – كأي انفجار يحدث في الطبيعة، وجد عالمنا العربي نفسه امام “تاريخ” ينفجر، ووسط الاحساس بالمفاجأة وما يرافقها من صدمة وارتباك بدأنا نسأل : ماذا حدث، ولماذا حدث ، ومن يقف وراءه، وكيف نخرج منه ..؟ لكننا للأسف لم نوفق في الوصول الى اجابات واضحة، والأسباب عديدة منها ما يتعلق بغياب الخبرة والحكماء والنخب الحقيقية، ومنها ما يرتبط بهشاشة الدولة وما اصاب بنى المجتمعات من تفكك نتيجة تراكم الاستبداد والفساد ، ومنها ما يتصل بالآخر الذي استدرك ما حدث فتدخل ليحافظ على مصالحه .
2 – لا بد ان ندرك ان هذه الحرب التي تجتاح منطقتنا لن تكون حربا خاطفة، وان هذا الفيضان من التطرف والعنف الذي تغلغل داخل مجتمعنا لن يكون مجرد “عفريت “ يمكن طرده بقليل من الدعوات وشيء من “البخور”، وان هذه الازمات الطاحنة التي دكت اركان الدولة العربية واسقطت عواصم ومدنا لن تمر هكذا بلا ارتدادات ومفاجآت وكوارث مزمنة، ومن اجل هذا وغيره مما نتوقعه وما لا يخطر على بالنا، يجب ان نتحرك دون ابطاء بالاعتماد على انفسنا، لتحصين بلدنا من كل مكروه ومواجهة اي خطر، وتجنب اي “فخ” منصوب،او قدر غير مكتوب.
3 – افهم بالطبع ما يمكن ان يقوله البعض حول دور الغرب في “كوارثنا “ وحروبنا وضحايانا، وحول احزاننا المقيمة والمزمنة التي لا يشاركنا فيها الا القليليون في العالم، واقدر ايضا ما يمكن ان يقال حول انشغالنا بهمومنا ومشكلاتنا، لكن هذا لا يمنع ابدا من ان نخرج من الصندوق الذي وضعنا انفسنا فيه، اعني صندوق الاحساس باننا ضحايا لا حول لنا ولا قوة، وان العالم لا يستحق منا ان نشاركه في قضاياه وهمومه، وان قصارى ما يمكن ان نفعله هو “الثأر” لانفسنا منهم . ارجو ان نتجاوز هذا الاحساس بالمحنة وان نبحث في فضائنا الانساني عن جوامع مشتركة تعيد الينا الاحساس بالثقة بانفسنا وبالاخرين ايضا، فالأمة التي تعيش في “عزلتها” تحكم على نفسها بالموت.
4 – ظلت اسئلة الشباب على مدى العقود الماضية عن الدين الصحيح والتعليم النافع والعدالة والحرية والكرامة، معلقة من دون اجابات، وكان بوسعنا ان نبدأ بوضع خرائط سياسية ودينية وثقافية لارشاد هؤلاء الشباب والرد على اسئلتهم الحائرة، لكننا للاسف تعمدنا الصمت او التطنيش احيانا، كما تعمدنا احيانا اخرى تقديم اجابات مشوهة؛ ما دفعهم الى البحث عن اجابات تخيلوا انها تناسب وعيهم وطموحاتهم، او الى الانزواء بعيدا عن المشهد للاحتجاج عليه .. وعلينا ايضا. –
5 – مع غياب “الاخلاق” والانشغال بالمباني على حساب المعاني والقيم، ظهرت نخب “انصاف”المتعلمين ، ونخب “الكسب السريع” ونخب “نجوم الشاشات” فتراجعت قيم النظافة والاستقامة وتكسرت منظومة الحياء العام وتغير مزاج الناس ، واختلطت معايير الاحكام وموازين الافكار ، وبذلك لم يعد المجتمع يعاني من حالة “التسفل” التي اشار اليها الافغاني حين ربط انهيار الاخلاق بالاستبداد ، وانما يعاني -بوصف احد الباحثين النفسيين – من حالة “انحدار” جنوني لا يمكن تفسيره او فهمه.
6 – اشتكى سكان احدى المناطق في دولة افريقية الى الوالي من وجود بعض الاسود في الغابة المجاورة لهم ، واستأذنوه في قتلها بعد ان اكل بعضها ابناءهم، وافق الوالي على طلبهم وتخلصوا من الاسود ، لكنهم بعد ايام فوجئوا بوجود اسراب من القرود تقتحم عليهم منازلهم ، وتعبث في ممتلكاتهم ، فذهبوا مرة اخرى الى الوالي لكي يستأذنوه بقتلها ، لكنهم فوجئوا عندما تكفلوا بمهمة ( تصفية) القرود ان اعدادها كبيرة ، وانهم كلما قتلوا عددا منها توالدت اخرى … فأدركوا حينها ان وجود الاسود هو الذي كان يمنع هذه القرود من غزوهم … فذهبوا بحثا عن اسود اخرى لكي يشتروها ..لكنهم لم يجدوا اسدا واحدا
الدستور