الحالة الارتياحية التي زرعها رئيس الحكومة في المواطن الاردني في خطاب الثقة وردوده على النواب شكلت واقعاً تأملياً يتوقع فيه المواطن ان الحكومة سوف تساهم بجدية في الوقوف امام العديد من التحديات وان الوعود التي ركز عليها الرئيس بتحسين الواقع الاقتصادي وخاصة تخفيض نسبة الدين العام للناتج المحلي الاجمالي ارسل برسائل مهمة ليست للنواب بل للمواطنين الذين لمسوا بصيصاً من الامل بجدية الحكومة في التعامل المباشر مع قضايا الوطن بعيدا عن البهرجة والتهويل والوعود الكبيرة صعبة التنفيذ.
ان المشكلة المتعلقة بالحكومة لم تكن حقيقة بنيل الثقة, ولا بموافقة النواب او غالبية النواب على برنامج الحكومة واعضائها وقدرتهم على تنفيذه.
ان المشكلة والتحدي الاكبر للحكومة هما ما بعد الثقة , وبمدى تنفيذ الحكومة لهذا البرنامج الذي وعدت به وبتلك الظروف الغامضة التي قد تسمح وقد لا تسمح للحكومة بتنفيذ هذا البرنامج فنحن جميعا يدرك اننا في مناخات وفضاءات لا نحسد عليها اقليميا ودوليا.
فهذا الامل الذي اوصلته لذهنية المواطن الاردني على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يحتاج الى جهود جبارة ودعاء دائم لله بالتوفيق، خاصة وان المواطن الاردني يرى بهذه الحكومة طرحا يقوم على الواقعية اكثر من الوعود الرنانة التي رفعت من حجم التوقعات فباتت النتيجة مخزية كما كان وحصل بالحكومات السابقة والذي افقد هذه الحكومات الثقة والمصداقية، واعتبرت (ضم الالف) سيفاً مصلتاً على رقاب العباد فرفعت الاسعار وضيّقت على الناس وافقدتهم الامل، فالمواطن الذي يرى أنه رغم كل الخطابات الرنانة والاستراتيجيات الكبيرة وعمليات تسويق هذه الحكومات بآلة الاعلام والاعلاميين الموالين للحكومة فقد تفاجأ بمديونية مضاعفة وحجم نمو متدن, وبطالة مرتفعة وفقر متقع, وارتفاع معدل الجريمة والعنف الاجتماعي وتأزم اجتماعي عام نتج عنه عنف, وصراعات وحماقات . بدل ان تكون المعالج لجروحهم والمساندة لحالاتهم تحثهم للارتقاء معها خطوة بخطوة . فمعالجة قضايانا المختلفة ليست ضرباً من المستحيل ولم نصل الى مستوى تعجز به العقول والخبرات من وضع الوصفة الحقيقية للشفاء والخروج جميعنا لتحقيق مناخات النجاح لها.
جاءت هذه الحكومة بنهج اعتقد انه جديد , يبدو من عنوانه , الجدية والنية الصادقة في البذل والجهد والعمل المشترك مع السلطة التشريعية للوصول لامثل وافضل النتائج المرجوة كل حسب الامكانات . نهج يمضي ضمن معادلة (مد الحافك) بشرط الدراسة المسبقة ووضع النهج السليم والاولوية وبالتالي التنفيذ, فالاردن لا يستطيع ان يتحمل اي اخطاء او سوء تخطيط او ضعف التنفيذ وبخاصة وان اولويات الحكومة لا بد وان تكون واضحة وضوح الشمس لان استثمار اي دينار يجب ان يكون ذا دلالة ونتائج , ونحن لسنا بعيدين عن فوضى تنفيذ المنحة الخليجية وتسابق الوزارات على كم المشاريع وليس نوعيتها وبالتالي اولويتها بالنسبة للوطن والمواطن.
الحكومة الحالية محاطة بظروف صعبة وتحديات موروثة اصعب من المديونية المرتفعة لانخفاظ النمو للبطالة والفقر المتزايد لضعف التصدير وضعف الاستثمار , وشروط الصناديق الدولية هذا اضافة لاوضاع الدول الخليجية المتراجع وابعاد ذلك للدعم والعمالة الاردنية فيها , اضافة لادارة امريكية جديدة لم نعرف حتى الان توجهها وما حجم الانفراج او المصائب التي تنتظر منطقتنا . وبالتالي فان الحديث عن المشاريع او البرامج التي ستطرحها الحكومة لا بد وان تكون مرتبطة بالنتائج وليس بالخطط والتوقعات , حتى تثبت الحكومة مصداقيتها فالمسألة مرتبطة وبشكل جلي بالوضوح والشفافية مع المواطن.
ان شطارة الوزارات بالتنفيذ هو ايقاف التراجع والمضي نحو التحسين وضمان انعكاس ذلك على حياة الناس وتحسن معيشتهم او ايقاف تحدياتهم بعيدا عن التهويل او النفخ او التعظيم او المبالغة , او التكرار الذي سيكشفه الناس . حيث سيكشف رادار المواطن صدق المؤسسات من مبالغتها خاصة ونحن بامس الحاجة لاعادة ثقة المواطن بمؤسساته وبحكومته وبرلمانه فهو اساس السير على الطريق السليم.
ان ثقة المواطن بالحكومة او بمؤسساته يعطي الحكومة هامشا كبيرا من تنفيذ برامجها ولو كان الموضوع برفع الاسعار شريطة ان تكون الحكومة شفافة ولغة خطابها واضح ومعقول واسبابه مقنعة , فالمواطن يقدر ويعرف انه جزء من مواجهة التحدي وهو اعلم بالظروف المحيط وتحدياتها , ولهذا فان المحافظة على العلاقة التشاركية الحقيقية مع النواب واحترام ارائهم وعدم تهميشهم انما يصب كله في خدمة الوطن ونحن لسنا بعيدين عن الانعكاسات السلبية الناتجة عن محاولات الاستقواء لبعض رؤساء الحكومات وبعض وزرائهم على النواب وتهميشهم وتماديهم بذلك بتعليق اخطاء الحكومات عليهم. او ما يقوم به بعض النواب من تعطيل اعمال الحكومة ومحاولتهم تقزيم عمل الرئيس والوزراء واتهامهم الدائم بالتقصير وزرع الالغام لتعطيل مسيرة حكومتهم.
نحن نعيش حالة اعلامية تحتاج الى تعزيز الهوية التنموية التوعوية الانتاجية وحفز المواطن على المبادرة وتطوير المشاريع الفردية والاسرية وتعزيز الفكر الانتاجي وثقافة المبادرة, خاصة مع انتهاء مرحلة الحكومات الريعية التي تنتقل بمهامها الخدمية الى القطاع الخاص صاحب الخلق والابداع وبرعاية حكومية فالاعلام شريك حقيقي لقطاعات الوطن ومؤسساته وهو سيد السلطات ومحركها وموجهها, فهو الراي العام وهو الحقيقة , وهو المعلومة؟
ان هم الحكومة ورئيسها الان اكبر خاصة بعد مرثون الثقة فالرئيس يعرف انه يحتاج (لفزعة ) النواب فهم الشريك الاقرب لتحقيق الاهداف المرسومة في برنامجه القادم , ليس فقط كونهم ممثلي الشعب بل ايضا باعتبارهمشركاء بالمصلحة الوطنية والداعم الاكبر في مواجهة التحديات , فنحن بحاجة لان ترسو سفينتنا بشاطيء الامان, لان غرقها لا سمح الله سيأتي وباله على الجميع دون استثناء . وهذه هي القاعدة التي لا بد وان تكون امام الحكومة والنواب واعتقد ان الرئيس يسير بنفس هذا النهج فالكل راع والكل مسؤول عن رعيته , فمتى بلغنا الشعور بالمسؤولية وادركنا اننا معنيين في الخروج من المازق وان على الحكومة ان تكون القدوة وتقنعنا بنهجها الاصلاحي التطوري العلاجي ولوكان الكي احد ادواته , فالمهم ان نرى نورا في نهاية النفق , لا ان نغوص في نفق آخر وتذهب تضحياتنا بلا فائدة.
فمسيرة واضحة للحكومة وبمشاركة حقيقية للمواطن وممثليه من نواب وقادة رأي ونخب , وبدور مسؤول لوسائل اعلام متصالحة مع ذاتها ومع وطنها ومواطنيها , تعمل بمهنية واخلاقيات ووطنية , وبما نكتنزه من خبرة ومعرفة ودراية بها جميعا وبعد توفيق الله فسوف ننهض ونبني ونتطور. اولم يكن الحال هكذا لدى دول النمور الخمس! فهل هذا يتحقق؟