سألني احد الأصدقاء السودانيين القوميين في الغربة، كم سنة استمر وصفي التل بالخدمة العامة ليحظى بكل هذا الحب منك ومن الأردنيين؟ وما هو سر بقائه خالداً في الذاكرة دون سواه؟
بسم الله الرحمن الرحيم: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" صدق الله العظيم، نعم يا صديقي ان وصفي التل من المؤمنين الصادقين، ومن الرجال الرجال، الذين اذا عاهدوا أوفوا، واذا عملوا أخلصوا، واذا قالوا فعلوا، نعم يا صديقي انها سنوات قليلة أمضاها في الخدمة العامة، ولكنه أنجر فيها وترك بصمات لا تمحيها السنون.
وصفي التل يا صديقي رضع كرامة في دمشق، وربى في ربوع العراق لستِ سنوات من عمره، واشتد ساعده في اربد، ونهل علمه من مدرسة السلط العريقة، وأتمً تعليمه الجامعي في لبنان، وحارب في الصفوف الأمامية في فلسطين عام 1948، وعمل موظفاً في القدس، فكانت المملكة الأردنية الهاشمية بيته، والوطن العربي وطنه، وفلسطين العربية قضيته.
وصفي التل يا صديقي رمزاً للشموخ، كيف لا وقائده الحسين بن طلال، كيف لا وقد اتخذ من رجال الأردن اخواناً، ومن صبيانها اولاداً، وتحزَم برجالات فلسطين، فشكلوا الدرع الحصين، والبناء المتين، لحماية الامة من المندسين، ومن اصحاب الاجندات السوداء والعملاء، ومن اصحاب المصالح الشخصية الضيقة.
اقرأ يا صديقي بعضاً من مقولاته، تجد فيها عزةً واباء، كلمات قليلة وقعها ومعناها ليس له حدود، وصفي من قال: "الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون، والذين يعتقدون أن هذا البلد بلا عزوة واهمون كذلك، والذين يتصرفون بما يخص هذا البلد كأنه (جورعة) مال داشر واهمون كذلك" ، وايضاً هو من قال: "الي ما يقبل البلد بضيقها، البلد ما تقبله بعزها"، وصفي اول من اطلق شعار "عمان هانوي العرب"، وقس على ذلك.
خمسٌ واربعون عاماً على رحيله ولا زالت سيرته العطرة ومواقفه الرجولية بارزةً للعيان، انجازات ومواقف تناقلناها جيلاً بعد جيل، ورثناها من الاباء والأجداد، وسنورثها للأبناء والاحفاد، اتدري لماذا يا صديقي؟ لأن وصفي لم يورِث اراضي ومزارع وشركات، وصفي مات وعليه دين " ثلاث ليرات"، ولكنه ورَثنا فخرا وكرامة ووطنا، وورث من يليه في الخدمة العامة مكاناً لم يملأه الى الان سواه.