صراع الصالونات وحرب التسريبات
عمر كلاب
29-11-2016 03:29 AM
لم يعد خافيا على أحد أن ثمة حربا مشتعلة بين صالونات الدولة تظهر على شكل وثائق وتسريبات، تقع سريعا في قلب المواطن الذي يتلقفها كدليل اضافي على استهداف جيبته ومقدراته من اجل إثراء طبقة الكريما الاردنية التي تعيش وتعتاش على هامش المال العام بفعل انحسار مساحة الرقابة على الانفاق، وخاصة من اموال الصناديق غير المعرّفة في القوانين وانظمة العمل الرسمية، فكل مؤسسة رسمية لها صندوقها غير الظاهر، الذي لا يخضع لرقابة الاجهزة الرقابية ومحاسبتها.
صراعات النخبة التي تتفجر على شكل تسريبات حينا وقرارات صادمة ومباغتة احايين، تكشف مدى بروز ظاهرة التجنح كحالة متقدمة على مفهوم الصالونات، والتي تنعكس سلبا على الاحساس الجمعي الاردني بالامان بالمستقبل والقدرة على اجتياز اللحظة الفارقة او اللحظة الحرجة بعد ان سامح المواطن الاردني في الكثير من آماله وأمانيه مقابل خروج الدولة من مأزق الاقليم ليكتشف في كل مرة ان النخبة تعيش وتعتاش هي ومحاسيبها على صمته وعلى احساسه الوطني العام.
حرب التسريبات والاستثمار فيها لحسم اشكال الصراع بين الاجنحة ينعكس بشكل واضح على ثقة المواطن بمؤسساته الحيوية والرسمية وتزيد مساحة الشك والريبة في المستقبل وتوّسع الشّق في الثقة الشعبية بالقرارات والاجراءات الرسمية، وتفرز ادارة ظهر من المواطن للدولة، التي يستشعر المواطن في كل وجبة تسريبات وفي كل قرار مباغت انه على هامش اهتمام الاجهزة الرسمية، وانه فعلا بقرة حلوب لكي تستمر النخبة في بذخها وانفاقها والاعتياش على جيبته وقوت يومه.
وقد وجدت الصالونات فرصتها في المواقع الافتراضية التي نابت عن صالونات النميمة في نشر المسكوت عنه وتأليب الشارع الشعبي الذي كما قلنا يتلقف المنشورات والاشاعات في الفضاء المفتوح ويعكسها يقينا على احساسه بالخديعة وغياب العدالة والمساواة لصالح طبقة الكريما التي استنزفت المخزون المالي للدولة وتسعى الى تخريب المخزون البشري بزيادة حجم الاحتقان وتقليل مساحة الاحساس الوطني بالدولة.
وكل ذلك يُعلي مسافة الابتعاد بين الدولة والمواطن ويرفع وتيرة الفردية والهويات الفرعية وسينعكس على السلوك العام للمواطن بحيث يرتفع منسوب التهرب الضريبي والخدماتي ويرفع وتيرة الغضب والجريمة، فالمواطن بات قانعا ان ما يقدمه على شكل ضرائب ورسوم انما هو رصيد اضافي لطبقة الكريما كي ترفع دخلها وكي تجد نافذة لتنفيع محاسيبها وانسبائها ولعل هذا اول خطوة من خطوات الغضب العام والانزياح عن الهدف الوطني كي تفشل الدولة وتدخل خانة الاقليم الملتهب.
ثمة رهان على حكومة الملقي والقيادات الجديدة في اركان الدولة كي تُعيد ترسيم المسافة بين المواطن والثقة بسلوك الدولة بالتأكيد على مبدأ المحاسبة لمن يتطاول على المال العام وعلى قوت المواطن، وان يُطلق الملقي يد الاجهزة الرقابية للمحاسبة والمراقبة وان يمنح تلك الاجهزة جرعة ثقة اضافية كي تفرض هيبة المال العام وتستعيد المنهوب منه سواء كان على شكل قرارات ادارية مجحفة او فساد معلن في تلزيم العطاءات والتكسب من الوظيفة العامة.
الجميع ينتظر صافرة البداية لاعادة الهيبة واول طريق للهيبة استعادة المنهوب والمسلوب ومحاسبة من تطاول واستمرأ التطاول ومارس الوظيفة العامة كحاصل ورثته من ذويه وتصرف دون خشية من محاسبة او رقابة فاستسهل المال العام فبذخ منه كما يشتهي، فالهيبة تبدأ من إعلاء مبدأ المحاسبة والبداية من أعلى الدرج الوظيفي وليس من أسفله.
الدستور