حين كتب الروائي ميلان كونديرا مقالته الشهيرة عن كثافة الدولة وشفافية الفرد كان يواصل مشروعه في افتضاح ثقافة وأدبيات الدولة الشمولية او ما يسمى « التوتالية « ، ففي مثل هذه النظم تزداد الدولة غموضا وكثافة وتعلو اسوارها لتحجب كل ما يدور او يدار فيها بينما يطالب الفرد بأن يتعرى تماما بل يصبح اشبه بابو بريص بحيث تظهر شرايينه من سطح الجلد !
والشفافية ليست كما يتصور بعض من قرأوها بعين واحدة مجرد رفاهية سياسية، انها احدى اهم الدفاعات عن تماسك الدولة ، لهذا فالدولة الرخوة او الفاشلة تنعدم فيها الشفافية، ويلجأ فقهاؤها الى مقارنتها بالأسوأ والافقر والأقل استقرارا، وهذه هي اقانيم الاعلام الداجن في العالم الثالث خصوصا من لم يبلغ رشده الاستقلالي والسياسي بعد !
الشفافية تتيح للمواطن ان يكون شريكا وطرفا اصيلا في المعادلات كلها بما في ذلك الازمات التي تطرأ على هذه الدولة او تلك، وحين لا تكون هناك مصادر للمعلومات فإن البديل هو الاشاعة او الاجتهاد في الاستنتاج، مما يتسبب في تعويم المفاهيم والقضايا وتركها على الرصيف لباعة السياسة المتجولين !
لكن الشفافية كالديموقراطية وسائر منجزات التاريخ لا تأتي لمجرد توفر الرغبة في حضورها، ولا يصلح معها حرق المراحل، لأنها تتأسس على تربويات وأعراف وثقافة اجتماعية اضافة الى عقود تكرس الاستحقاقات المتبادلة !
ما كتبه كونديرا وريث فرانز كافكا الذي عرف بأدبه الكابوسي وعوالمه الغامضة لا يصلح لتوصيف جدول شمولية انهى التاريخ صلاحيتها بل لكل دولة او حتى مؤسسة يتحكم بها اعلام مزدوج ، بحيث يكون هناك خطاب للاستهلاك المحلي او اشباع الرغبات بشكل كاذب مقابل خطاب باطني .
ولكي لا ينحصر معنى الشفافية في المجال السياسي فقط، علينا ان نعطيه مساحته ودلالاته المتعلقة بالحياة الاجتماعية بدءا من الاسرة ، لأن غياب الشفافية قد يكون سببا مباشرا في تدمير العائلة ليمتد بعد ذلك الى كل شيء .
الدستور