وصفي التل .. أيقونة أردنية نادرة
عدنان الروسان
28-11-2016 07:40 PM
لا بد أن هناك سبباً يدفع الأردنيين كلهم ليترحموا على وصفي التل بهذا الزخم الهائل وليتباروا في استذكاره وتذكره كل عام وليسطروا أجمل وأصدق ما يجول في نفوسهم وما يقدر عليه وجدانهم، وكلما ازداد بعد الذكرى قوي الحس الوطني القومي عند الأردنيين واستحضروا صورة وصفي التل "بلوزته" السوداء ذات القبة العالية وسيارته الجاكوار الخاصة مستغنيا عن السيارات الفارهة الأكثر رفاهية وحداثة.
وصفي التل شخصية ربما جدلية عند البعض في أدائه السياسي، لكنه أيقونة في النظافة والشهامة والوطنية والصدق والعطاء، مات الرجل وأفضى إلى ربه فما وجدوا عنده قصرا في لندن ولا بيتا في ماربيا، ولا حسابات منتفخة بالدولارات في واشنطن ولندن وجنيف، مات ووجدوا وراءه بيتا في البر بعيدا عن عمان وعن مناطق البيض في العاصمة، بيتا يرى من شرفاته تلال الأردن وتلال فلسطين على السواء ويعتكف فيه بعيدا عن صالونات الكذب والنفاق والرياء وتقاسم الغنائم.
في زمن وصفي التل لم يكن وزير يجرؤ على التأخر عن الدوام، ولا أن يقرأ موظف حكومي الجرائد ويفتح مكتبه ديوانية للأقارب والمحاسيب ولا أن يكون القسم الأكبر إنتاجية في الوزارة البوفية الذي يقدم على مدار الساعة القهوة والشاي والميرمية والزهورات ولو كان مسموحا ما هو أكثر من ذلك لفعلوا، في زمن وصفي كانت الحكومة تعمل والوزراء ينتجون ولا يقضون الوقت بيت الأسفار والأمصار والمياومات والحوافز، ولم يكن مسؤولون كبار يقضون أياما خضراء وليالي حمراء في بلاد الواق واق، ولم تكن الحكومة تنصب الكمائن للمواطنين ولم يكن هم الحكومة فرض الضرائب وسرقة ما في جيوب المواطنين.
في زمن وصفي كانت وزارة التموين تشتري الرز والسكر والزيت والشاي وتوزعه على المواطنين بالكلفة وكان الذي يسرق "يبصق" في وجهه ويتعرى أمام الناس وينبذه المجتمع، وكانت تسعيرة البندورة تذاع في التلفزيون والإذاعة, يا ويل اللي بزيد على التعرفة الرسمية قرشا واحدا، في زمن وصفي لم يتمكن علي غندور ومايكل داغر وباسم عوض الله وجماعة سكن كريم وجماعة برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي وجماعة أوصلوني إلى عمان وسأريكم آياتي في الآفاق أفلا تعقلون ولما وصل إلى عمان قال إني بريء منكم إني أخاف الله رب العالمين ورفع كل شيء حتى كاد أن يرفع أرجل الأردنيين وغيرهم من الزرافات والوحدانا من محاريك الشر والسرقة أن يسرقوا قوت الشعب وكفاف يومه، لم يستطع أحد كما نظن.
في زمن وصفي لم يكن هناك جريدة فاستحدث جريدة وطنية قومية توالى عليها الليل بعد النهار فامشي الهوينا وإذا بالجريدة تخسر بعد أرباح وتتقزم بعد تعملق وتجزر بعد مد، في زمن وصفي كان الوطن أغنية هادئة وصوتا عاقلا، وكان الناس يحبون الوطن وينتمون إليه لأنهم يحبونه حقا وكان الناس موالين محبين صادقن لأن كتائب الطبل والزمر من أصحاب الولاءات الكاذبة ليكونوا قد استقووا بعد على الشعب الأردني إلذي صار كالأيتام على مآدب اللئام، وفي زمن وصفي التل كان يتحدث الرئيس عن الفساد والفاسدين ولا يقمع من يتحدث عنهم، كانت القوة الأعظم من قوى الشعب قوة الصدق والإخلاص والولاء والانتماء وصارت القوة الأعظم اليوم قوة الكمسيون والضرائب والتهميش والتخويف والابتزاز.
إن ذاكرة الشعوب كذاكرة الفيل قوية لا تنسى ولا تتآكل بفعل الزمن، وإن الكلمة الطيبة ومواقف الرجال أصحاب العزيمة لا تنسى أيضا، لقد كبر كرسي الرئاسة حينما جلس عليه وصفي حتى بدا الأردن دولة عظمى، وتصغر الكراسي حينما يأتي من يقزمون كل شيء ويختزلونه بمصالحهم ومصالح أولادهم وزوجاتهم وأنسبائهم وكأن الرئاسة عزبة للرئيس.
نعلم أنه يوم كبير للوطن حينما يتذكر الأردنيون وصفي ونعلم انه يوم شؤم وحزن بل يوم أسود عند أباطرة المال وتجار السياسة ورجال الكمسيون الوطني .. ياعيب الشوم!
رحم الله وصفي فإنه كان أعلم منا بالرجال..