حين تصبح التكنولوجيا وسيلة خطرة للإجرام
د. أشرف قوقزة
28-11-2016 01:37 PM
أدى التطور الكبير في مجال التكنولوجيا والاتصالات، إلى ظهور العديد من الوسائل الالكترونية والتي تستخدم كتقنيات للتواصل بين الإفراد والجماعات كمجتمع أطلق عليه "المجتمع الافتراضي"، وبالرغم من فوائدها التي لا تعد ولا تحصى والتي أسهمت في تطور البشرية في شتى المجالات والميادين، إلا انه من جانب آخر نجد أن البعض قد أساء استخدامها وبدأ العالم يشهد ظهور أنماط جديدة من الجرائم التي لم تكن معروفة من قبل والتي سميت بالجرائم المستحدثة (الالكترونية)، والواقع أن هذه الوسائل باتت الأكثر استخداماً لارتكاب الجرائم بصورها وأنماطها المختلفة، كالهواتف الذكية، والفيس بوك، والواتس اب، وتويتر، والصحف الالكترونية، وغرف الدردشة الالكترونية، وبرامج الصوت والصورة، وغيرها الكثير من الوسائل التي يشهد تطورها المتسارع كل يوم عالم التكنولوجيا والتقنيات، وبالرغم من الجهود التي بذلتها كافة الدول ومن بينها المملكة الأردنية الهاشمية في سبيل الوقاية من هذه الجرائم ومكافحتها سواء من خلال سن التشريعات أم اتخاذ الإجراءات الأمنية والتقنية، إلا أن تلك الجرائم ما زالت تشكل خطورة كبيرة ومتزايدة باتت تهدد المجتمعات بأسرها وتشكل تحدياً كبيراً لاختلافها النوعي عن الجرائم التقليدية.
وبقدر تعلق الأمر بالتشريع الأردني نجد أن المشرع الأردني قد سلك هذا النهج أسوة بغيره من المشرعين، بغية تحقيق أهداف تساعد على حماية مواطنيه ورعاية مجتمعه على حد سواء، ابتداء من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته، وقانون المعاملات الالكترونية رقم (15) لسنة 2015 وقانون الاتصالات رقم (13) لسنة 1995، وقانون منع الاتجار بالبشر رقم (9) لسنة 2009، وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (9) لسنة 1961، وصولاً إلى قانون الجرائم الالكترونية رقم (27) لسنة 2015 والذي يشكل حجر الأساس لتجريم ومكافحة الأفعال الجرمية الالكترونية، واستحداث مديرية الأمن العام لادارة مكافحة الجرائم الالكترونية والتي جاءت كاستجابة حتمية لمتطلبات التسارع والتطور الكبير في هذا النوع المستحدث من الجرائم، لتكون الجهة المناط بها التحقيق و المتابعة وتقديم الدعم الفني والتقني المطلوب لمواجهة هذه الجرائم، بالإضافة لما تقوم به من جهود كبيرة في مجال التوعية ونشر ثقافة التصدي لها.
فهناك العديد من صور الجرائم التي يمكن أن ترتكب من خلال الوسائل الالكترونية الحديثة، كالدخول غير المصرح به إلى شبكة المعلومات أو نظام المعلومات العائد للغير، والاعتداء عليها بالتدمير أو التعديل أو الحذف أو الحجب، والاعتراض والتنصت على محتويات ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية وانتهاك خصوصيات الغير، وقرصنة بطاقات الائتمان والاحتيال الالكتروني والاستغلال الجنسي والترويج للدعارة من خلال هذه الوسائل، ومن ابرز هذه الجرائم وأكثرها انتشاراً الذم والقدح والتحقير والابتزاز الالكتروني، هذه الصور التي باتت تهدد كل فرد في المجتمع دون أن يكون أي منا بمنأى عنها وخاصة فئة الشباب والأطفال باعتبارهم الأكثر استخداماً للوسائل الالكترونية، إذ ارتفعت نسبة مستخدمي الانترنت في الأردن إلى 80%، وانتشرت نسبة استخدام الأردنيين للهواتف الخلوية بحيث وصلت إلى 99% منها 70% هواتف ذكية، ولعدم معرفتهم الكافية بخطورة استخدامها والتي يمكن أن تجعل منهم فاعلين للجرائم السابق ذكرها وعرضة للمسائلة القانونية التي قد تصل في بعض هذه الأفعال إلى الأشغال الشاقة بما لا يقل عن خمس سنوات وبغرامة قد تصل إلى 15000 ألف دينار والتي يمكن أن تضاعف في حالة التكرار، أو أن يجد نفسه ضحية لجريمة الكترونية.
وبرغم الجهود التي بذلت على مستوى التشريعات وما رافق ذلك من جهود على الجانب الأمني، إلا أنها تبقى مسؤولية جماعية وطنية تحتاج إلى رفع الوعي بخطورتها ابتداءً من الأسرة إلى المدرسة إلى الجامعة والدور الفاعل لوسائل الإعلام ودور المختصين والمثقفين الهام في هذا المجال، وبشكل متوازي للتطوير الدائم والمستمر في رسم السياسات الوطنية والدولية وتطوير التشريعات إضافة للدور الأمني الذي يحتاج إلى تدريب فني تقني يواكب التطور المتسارع وغير المسبوق في مجال التكنولوجيا وتطوير وسائل مكافحتها.