تحل الذكرى الخامسة والاربعون لاستشهاد وصفي التل على الارادنة وحكومة الملقي لم تنل ثقة الشعب، لكنها نالت ثقة جماعة "الوو"، وفق المنهاج الكلوبي المتوارث او العرف الدستوري السائد، وهم الذين وصلوا الى العبدلي عبر انتخابات وصفت بالنزيهة والشفافة وفق المعايير الدولية، واللافت للنظر ،انه في العادة حين تشكيل حكومة جديدة في أعقاب الانتخابات النيابية العامة ، كانت تجرى مشاورات حول التشكيلة الجديدة للوزارة، وحول شخص الرئيس المكلف الذي يسميه الملك بناء على التشاور مع كتل الاغلبية النيابية في مجلس النواب لغياب الاحزاب السياسية الوازنة ذات القواعد الشعبية عن ساحة العمل السياسي والعام ماعدا حزب جبهة العمل الاسلامي الذراع السياسية للإخوان المسلمين ،لأسباب غير مبررة او مقنعة، حيث استبدلت بأحزاب “المراحل “ذات الوظيفة المؤقتة "وبالمحاصصة الجهوية " للوزارات غير السيادية للحاكميات الادارية والعشائر، لتأمين المتطلبات الخارجية وفق الوظيفة الإقليمية للنسق.
ان ما جرى في تشكيل حكومة الملقي اعادنا الى الأسلوب السائد، الذي اعتدنا عليه سابقا بأن يأتي الرئيس من القائمة المعروفة ،وعلى قاعدة عد بقراتك يا "جحا " وأما الوزراء فيتم اختيارهم وفق منهج تشكيل معظم الوزارات على اساس ضرورة وجود حكومة في البلد ليس الا! حيث يستدل على ذلك من ان أيا من هذه الوزارات لم يحقق اي انجارا واحدا تتذكرها بها الرعية ، والا فكيف ارتفعت المديونية العامة الى سقف الناتج المحلي الاجمالي ،والتفاقم المتواصل والمزمن للموازنة العامة الى هذا الحد، وارتفاع العجز غير المسبوق في الحساب التجاري لميزان المدفوعات ؟!!!،وكيف وصلنا الى هذه الدرجة من المعاناة وما اصعب تداعياتها على مكونات النسيج الاجتماعي.
كنا قد عايشنا في السنوات القليلة الماضية مشاورات لتشكيل حكومات خلف الابواب والغرف المغلقة اجراها رؤساء حكومات سابقون ،فكان الاسلوب ذاته والنتيجة ذاتها ، لكن اللافت للنظر انه لم تجر اي مشاورات ذات مغزى في تشكيل حكومة الملقي الثانية ،التي على اساسها ستنال الثقة من مجلس نواب جديد وفق العرف الدستوري السائد. فالتشكيل الحكومي استبق انعقاد مجلس النواب الثامن عشر لعدم اجراء مشاورات معه، ولاسباب معروفة، هي ؛الاقدام على قرارات وصفت بالاستراتيجية وللمصلحة العامة، لكنها جاءت على خلفية تلبية متطلبات وشروط خارجية.
في الذكرى الخامسة والاربعين لاستشهاد وصفي نستذكر رجال الدولة العدول في ادارة الحكم في البلاد ، ونتوقف هنا عند العام 1962 ،حين شكل وصفي الوزارة لأول مرة ، وهي بالنسبة لمسيرة الاردن السياسية ؛محطة و تاريخ لحقبة فاصلة من رؤساء الوزارات الاردنية العدول ،هم ؛كوكبة من القامات على مستوى الوطن العربي ، من رشيد طليع الى وصفي التل .. ان رؤساء الوزارات الاردنية في هذه الحقبة ، هم ؛ من نوابغ العرب في اتقان الحكم والادارة والسياسة والاقتصاد وتطبيق التشريعات بغير جنف .. ترك كل منهم سيرة تدل على علو كعبه في سلامة الشخصية وحسن الادارة وحل المعضلات والتعامل مع المستجدات ،فرغم انف الانكليز وتقسيمات سايكس- بيكو ظلت هذه الشخصيات عربية اسلامية بنت سويا وطنا قوميا لأحرار العرب بالالتفاف حول الملك المؤسس عبدالله الاول التفاف السوار بالمعصم .. فهؤلاء رجال الدولة جمعهم المكان والمعاصرة والاتجاه وصفات العلماء النوابغ فأدوا الرسالة حق التأدية وتركوا انطباعات وبصمات غنية وشاملة ومن الظلم ان تغيب اسماؤهم وافعالهم عن الاذهان ، إذ لاحد يساويهم في العلو والعقل والعلم والفضل وتحقيق النجاح في اصعب ظرف واقسى زمان.
نعم؛ وصفي التل الشاهد والشهيد، هو ؛علم من اعلام الوطن العربي ،ومن رجالات الدولة العظماء ،اكتملت لديه اعمدة الزعامة الوطنية ،فكان عروبيا قوميا واعيا وصافي الفؤاد والسريرة وله نفس كلها اباء وشهامة، وقد اثر جدا في عطائه الوطني الى لحظة استشهاده في قاهرة المعز في 28/ تشرين ثان/1971 ، وترك ارثا سياسيا غنيا واثارا حميدة تستذكرها الاجيال الاتية ،حيث اصبح يوم استشهاد وصفي فاصلاً بين عهدين. حقبة تاريخية فيها المضاهاة بين الرجال العظماء في الفضل والعطاء والاقزام من اصحاب الاجندة الخارجية .فأجيال اليوم من الرؤساء غائبة عن كل ما نقول ..
اننا حين نستذكر هؤلاء الاعلام من القادة السياسيين انما نريد ان نستزيد ونستفيد ،فمن خلاصات علمهم وافكارهم واعمالهم تؤخذ عبر ودروس وتختزن في العقول حتى يستفاد منها عندما يتعلق الامر بالعمل العام وادارة الحكم من حكمة رجال الدولة العدول وليس من رؤساء حكومات اليوم في زمن الفساد والافساد السياسي والمالي والحكومات اصبحت اصغر.
وصفي التل رفع شعار العدل اساس الحكم ، وهو المطلب الاساس لكل شيء ، لان كل الشعارات الاممية البراقة في زمن النظام الدولي احادي القطبية لا ترقى الى مستوى العدل في الحكم ، وعليه أيا كان الرئيس او الوزير القادم الى الدوار الرابع .فليكن شرط اختياره ان يتصرف بالعدل ويلتزم بادئه بأمانة ،فالعادل لا يخون الامانة ولا يتطاول على المال العام والخاص ولا يكذب اهله ولا يعتدي على املاك الرعية ولا يتهاون في حق الوطن وحقوق العباد في الامن والعيش الكريم. فالأردن لا يفتقر الى الرجال العدول من رهط وصفي .. فهم كثر وموجودون باستمرار ولله الحمد .لكننا بحاجة الى العزيمة والارادة الصادقة في استحضارهم لأداء الواجب وتحمل المسؤولية وهم اهل لها .
الخلاصة والاستناج؛-
- العودة الى الحقبة العرفية في تشكيل الحكومات زمن قد ولى لا رجعة اليه ، لان عهد الاصلاح السياسي للنسق في محاوره الثلاث .. لولوج الدولة المدنية الديمقراطية وفق مبدأ التناوب السلمي على السلطة" دولة المواطنة وسيادة القانون"،قد انطلق في ثورة شباب 24 اذار2011 ،بالرغم من حصول تعديلات دستورية غير ضرورية واخرى مبررة اصابت العملية الاصلاحية في مقتل ،وذلك بالعودة بالبلاد الى المربع الاول.
- استحضار رجال الدولة العدول لتشكيل الحكومات وهم كثر وموجودون في ساحة العمل السياسي...
- الحوار المؤسسي بين مكونات النسيج الاجتماعي للتوافق الوطني المتعلق بالنظام الدستوري والثوابت الوطنية ،ومصالح الارادنة ونظام الحكم والانجازات التي تحققت وتحويل النسق الريعي الى دولة منتجة ، والرعية الى مواطنين واقتصاد الخدمات الى اقتصاد انتاجي الحكم والادارة " لتنظيم قوى الشعب في اطر تنظيمية " الاتحاد الوطني " نموذجا في التأهيل السياسي والتشريعي والتنظيمي في الاحزاب السياسية والمنتديات الاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني .. العمالية والنقابية والجمعيات الخيرية والانسانية والتعاونية والمهنية ؛ضرورة حتمية للإصلاح العام وليس الوصفات من خارج الحدود.
- ان الاصلاح العام بدون التأهيل السياسي لنشر ثقافة ممارسة العمل العام بشكل سليم وفق اليات وخطط مرسومة تستهدف الافراد والجماعات للوصول الى التنمية السياسية المستدامة على المستوى الوطني ،لاستكمال متطلبات تكوين المجتمع والدولة ، حتى لا نكون في حلقة مفرغة وللخلف در، لان عملية التأهيل السياسي والتنظيمي والقانوني للرعية ؛ خطوة ومقدمة اولى للإصلاح السياسي والعام في محاوره الثلاث .. إصلاح النسق .. إصلاح الموروث المجتمعي .. وإصلاح الدين في بعده السياسي ،ليكون الشعب مصدرا للسلطات باعتباره الركيزة الاساسية لبناء دولة المواطنة وسيادة القانون.
- الدولة المدنية الديمقراطية وفق مبدأ التناوب السلمي على السلطة محور اساس للحوار الوطني المؤسسي بين الأرادنة في اطار الملكية الدستورية وإخضاع وادي عربة للاستفتاء الشعبي من حيث الالغاء او التعديل.
الحكومات في نظر وحسبان الرعية لم تعد ذات شأن او قيمة ولم يعد شخص رئيسها من النوابغ ولا ينطبق عليه وصف رجال دولة عدول، لكنه يختار من ائتلاف فئة العوائل الحاكمة الموازية والبزنس السياسي " الاقطاع السياسي".
فالواقع والوقائع يشير الى ان الحكومات اصبحت اصغر وظيفتها الاساس تصريف الاعمال .حيث لا يوجد على بوابة "الدوار الرابع" يافطة مكتوب عليها "ممنوع تنصيب رجال الدولة العدول"، لكي يمنع "الحارس" هؤلاء من الدخول لإدارة الحكم بالعدل والامانة ، او بهدف حجب الرؤية عن الرعية للتعرف على ماهية شخصية الرئيس وخصائص رهطه سواء الظرفاء وغير الظرفاء في زمن الدمقرطة، لكن النفوذ الاسرائيلي بالمرصاد، فأما وصفي الشاهد والشهيد ومن سبقوه من الرؤساء الاعلام، فالى رحمة الله، وكان مشروع زعامة وطنية وذاكرة وطن، واضحت حقبة حكمه فاصل تاريخي بين عهدين.
*صحافي ومحلل اقتصادي وسياسي