في ذكرى استشهاده : لا تقتلوا وصفي مرتين
عمر كلاب
28-11-2016 01:56 AM
الحنين إلى الماضي سلوك بشري لكنه يتحول الى حالة مرضية إذا سادت المبالغة على الحقيقة واذا منحنا الماضي حنينا اقرب الى القداسة منها الى الواقع ، وهذا ما يجري اليوم في تفاعلنا مع ذكريات الماضي ورجالاته الكبار الذين اوصلونا الى ما نحن عليه من مناعة وطنية قاومنا بها انواء الاقليم وتقلباته وصمد جسمنا امام فيروسات الداخل من فساد وهويات فرعية وتعصّبات جهوية واقليمية .
أسبوعان فقط يفصلان بين ذكرى ميلاد الحسين -رحمه الله- وذكرى استشهاد ابرز رئيس وزراء في زمنه الشهيد وصفي التل ، لكنهما اسبوعان يكشفان حجم التراجع عن افكارهما رغم تغنينا بهما حد الوله الذي هو اعلى درجات الحب، لربما تطرفنا في حبها حد نسيان ما فعلاه وما قاما به من اجل بقاء هذا الوطن عصيا على الكسر بعد ان منحاه مع اللغة البناء على الضم .
فأحداث الجامعة الاردنية وتراشق نائبين تحت القبة كادتا ان يعصفا بثوابت اللحمة الوطنية الاردنية التي ارسى بنيانها الحسين -رحمه الله- ورفع اعمدتها وصفي التل -رحمه الله- حين طرح مشروعه الوطني الاردني لبناء اردن أقوى ومشروعه القومي لتحرير فلسطين هذا المشروع الذي افضى به الى الشهادة .
وصفي ليس رمزاً أردنياً على شدة حضوره في الذهنية الأردنية، بقدر ما هو رمز قومي، فلو وهنا لا تفتح “ لو” باب الشيطان بقي وصفي رئيساً للوزراء حاملاً للمشروع المحلي الوطني لما نال الشهادة التي يستحقها هو وامثاله من الرموز القومية الاصيلة ، فهو حمل راية القومية العربية بنسختها الاردنية الاصيلة التي تعرف معنى تحرير فلسطين وضرورته للوطن الاردني وللقومية الفلسطينية، فكل قومي فلسطيني بالضرورة والعكس ليس صحيحا ، فهل من أدب محبة وصفي واحترام ذكراه الخالدة ان نصل الى هذا الدرك الاسفل من العنف اللفظي والبدني والفكري على اسس اقليمية وجهوية وطائفية ؟
هل يؤمن بنهج الحسين -رحمه الله- وفكر وصفي -رحمه الله- من يسعى بفكر اقليمي او يميز بين الاردنيين على اساس الدين والاصل والمنبت كم الجواب بالضرورة “ لا “ .
وصفي في ذكرى استشهاده اليوم ، مدمي القلب ليس على الحالة القومية العربية الممزقة كاشلاء الدول الشقيقة فقط ، بل على وضعنا الداخلي الذي بات خلافا بين طالب ورجل امن جامعي يفرز “ داحسا وغبراء “ واهازيج نصر رخيص على انفسنا ، فقلب وصفي كان جنوباً وثراه في البلقاء ودمه موصول بالقدس وروحه متعلقة في بغداد ، فحياته درس قومي وشهادته كذلك، ولد في العراق وخدم في فلسطين جندياً مخلصاً ، واصبح رئيس وزراء القلوب والعقول في الاردن واستشهد في القاهرة، ومحبوه او من يدعون محبته يختلفون على محبة انفسهم ومحافظاتهم ويتنابزون بالالقاب الاقليمية والجهوية .
استحضار روح وصفي تحتاج سلوكا وفعلاً وطنياً وقومياً وليس صورة على جدار افتراضي او لوحة على جدار منزل فهو اعمق من ذلك بكثير، فنحن نريد صورة وصفي على جدران منازلنا وعلى حوائطنا الافتراضية كي تذكرنا كل صباح بأن نعمل مناجل هذا الوطن وان نعمل من اجل فلسطين ، ان نسترشد من روحه معنى الولاية العامة والحفاظ على المال العام والحرص على فلسطين من خلال الحرص على الاردن ومائه وسمائه وترابه .
هكذا نفهم وصفي وذكراه واستحضار روحه كل صباح من اجل ممارسة سلوكه ونهجه وليس من اجل مناكفة انفسنا ومماحكة الآخر لان وصفي ايقونة طرزت اسمها في التاريخ بدم الشهادة الزكي فلا تقتلوه مرتين بالخروج على نهجه وفكره .
الدستور