كنت طالبا في الجامعة الأردنية مطلع التسعينيات, وأتذكر أني كنت أنظم الشعر على البحر الوافر, وأرتدي قميصا أسود ظننت أنه سيغوي البنات ..وكان لي وظيفة في جريدة, إسمها صوت الشعب, كنت مدققا لغويا وحين أنهي محاضراتي ...اذهب لها , كي أجني أقساط دراستي أحيانا بتعبي .
لا أتذكر أني في حياتي شاركت في مشاجرة, فقد كنت أؤمن أني سأكون كاتبا وصحفيا مهما في المستقبل, وعاشقا نبيلا ..وسيكويني هوى البلد ..وأهل البلد ....كيف أتشاجر؟ ..والبنات السلطيات اللواتي يعبرن أدراج التربية كن مثل الورد في نيسان ..حين يفيض شوقا على المدى ...
والبنات الكركيات اللواتي أنهين للتو محاضرة في الاداب ...كنّ حين يخرجن من المحاضرة ويتبادلن ..الضحكات , كأن (ديك الجن الحمصي) استفز دمي ونشر كل قصائد الغرام التي كتبت ..على حبل من الورد امتد بين القلب والوطن ...
كيف اتشاجر وتلك البنت الإربدية (الظبي الحوراني) ..كانت حين تشرب القهوة ..ويفيض بعضا من أحمر الشفاه على طرف الفنجان يستفز دمعي وعقلي ..فلقد تركت بصمة شفاهها ..على قلبي ..وليس على الفنجان
كيف أتشاجر ...وقد رأيت شعر عرار كله في عيون الصبايا, لقد تغزل بهن ..والبنات اللواتي جئن من ناعور واطراف عمان ووادي السير ..لهن خطى مثل الظبي ..حين يرقص الشجر في حضرموت على اللحن اليماني العذب ..والشركسيات اللواتي يزرع وميض عيونهن في الروح فجرا ..
والمفرقيات ..وبنات جرش , وعجلون ...اللواتي كان الهواء يغار من جديلتهن ...وتلك البنت المعانية , التي كانت تجلس وحدها تحت شجرة السرو القديمة ...وتقلب أوراق الدفتر , كأنها من العهد الأموي ..وتنقل السيف تارة بين يد يزيد وتنقل القوافي تارة أخرى بين دمعه والقرطاس ...
وتلك النابلسية ..التي كانت تعبر , من جانب مركز اللغات ..أمضيت أربع سنوات من عمري محاولا أن اقول لها مرحبا ..وأفشل!! وكلما عبرت ..اقول في المرة القادمة هي التي ستقول لي مرحبا ...وأردد بيتا قديما من الشعر :-
أهكذا حتى ولا مرحبا/لله أشكو قلبك القلبا..
كانت من جبل النار وتركت في القب النار ...
أنا لم أتشاجر مع أحد, أرسلني أبي إلى الجامعة كي أحمي عيون البنات وأهدابهن , كي أحمي الجديلة والغرة ..وأحمي أحمر الشفاه وطلاء الاظافر وأتعلم العشق... كنت مؤمنا بأن من يجيد حماية البنات وزراعة الفرح في قلوبهن سيعرف في المستقبل كي يحمي وطنه وأمته وتاريخه ...
لم أتشاجر مع أحد ..كيف أرعب البنات , وظيفتي أن أكتب لهن الشعر وأمد الكلام كله لهن بساطا من الغزل ...كي يعبرنه وليكن قلبي الحاجز ..ومثل الفرس الحرون ..مثل الخيل التي تجفل من (الزول) ليعبرن فوق قلبي ...
اقول للذين تشاجروا أول امس في الجامعة الأردنية , أنتم لا تجيدون حماية الفرح في عيون البنات, لا تجيدون زراعة الشوق في قلوبهن ..لقد قمتم بإرعابهن ..قمتم بتخويفهن ..قمتم بجعل الدمع ينسكب من خد فاطمة ومى وليلى وأمل ....وبما أنكم لا تجيدون حماية البنات اللواتي أرسلهن الأهالي للجامعة كوديعة ..مصانة بين أولاد عشائر وقبائل ..ما دمتم أنكم لم تستطيعوا حماية البنات ..أسألكم بالله كيف ستحمون وطنا حين تكبرون ؟
لقد كسرتم قلبي ...يكفيكم ...يكفيكم..!!
عن الرأي