إذا ما أعتبرنا أن الجامعات الأردنية هي مصنع رجالات المستقبل وقادة الدولة الأردنية، فعلينا أن نتوقف طويلا أمام هذه الكوابيس التي تقض مضاجع المستقبل في ظل ما نراه من واقع الحال التعليمي والجامعي خصوصا ،وعلينا أن نصفق لخريجي الجامعات الغربية والشرق أسيوية الذين تكّلف دراستهم عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات ثم يعودون الى الوطن للوقوف في طابور إنتظار الوظائف، فليس من المعقول أبدا أن نتوقع مسؤولا رفيع المستوى،أو أكثر وزنا من الرفيع بعد عشرين عاما،وقد وقف أمام الشعب ليتفاخر بأنه خريج الجامعة الأردنية الأم أو واحدة من شقيقاتها الآُخر، ذلك لأن مفهوم الجامعة لم يعد هو ذات الجامعة قبل عقود من الزمن في عقول طلابها الطامحين.
ما حدث في الجامعة الأردنية يوم الخميس الماضي، ليس الحادثة الفاجعة الأولى ، فقد فتحنا أعيننا على الجامعات والكليات في منتصف الثامانينات وكنا نشاهد ما حدث الخميس تماما في ذلك الوقت، أبناء المنطقة الفلانية يديرون معركة مع أبناء المنطقة الفلانية الأخرى، وكان حرم الجامعة ولا يزال محرّما على دخول قوات الأمن العام، بينما لا حرمة للجامعة وأسوارها أمام مجموعات الهمج والغوغاء من المتسكعين و»الفزّيعة» والمشحونين بالنرجسية العائلية والمناطقية والعشائرية، وهذه مشكلة حضارية وليست تربوية فقط، فالجامعة بالنسبة للبعض من «الأغرار» متنزه للتسكع وإشباع حب الظهور وإنتقام الجهل من العلم وأهله.
ولكن في التاريخ الجامعي كان هناك قادة جامعات لا يتوانون لحظة عن إيقاع العقوبة وطرد الطلبة المتورطين فورا، وعدم الإستجابة لأي ضغوطات تمارس لدواع مصلحية رسمية أو شعبية، لقد كان مجرد خروج د. عبدالسلام المجالي، مثلا، الى إحدى ساحات الجامعة يعتبر صافرة إنذار وإعلان الطوارىء لإخلاء طرقات التسكع ، ولم تؤثر أي مشاجرة مهما اتسعت، على سياسة الجامعة أو كفاءة طلابها الآخرين، فأساتذتها عمالقة جذورهم ممتدة الى عقود بعيدة، يفرضون إحترامهم على الجميع، وهذا ما أعطى التعليم عندنا تلك السمعة الطيبة والمميزة في ما مضى من التاريخ التعليمي. اليوم نجد الجميع يتحدث عن التحدي الأمنيّ، حتى عند مشاجرة بين طالب وموظف جامعي، وننسى الدور التربوي للجامعات والأمن التعليمي والبيوت والأسرة ،فكل أولئك الطلبة الذين تعج بهم الجامعات جاؤوا من مدارس لم ينتبه لمخرجاتها أحد، ليس تعليميا فقط ولكن تربويا أيضا، فالأهل للأسف تراجع دورهم التربوي والتنشئة الأخلاقية الحميدة والتشجيع الوطني الى أدنى حدوده ، والكل يريد من الآخر أن يهتم بالشاب أو الطالب دون معرفة العقلية التي ينشأ عليها غالبية أبنائنا، الذين عادوا الى عصبية الجاهلية، والتنابز العشائري والعائلي، والتفاخر بالسيارات والصديقات على أبواب الجامعات، فيما نجد غالبية المتفوقين هم من أبناء الفقراء والطبقات الكادحة الذين لم تلوثهم القروض والإرث السهل للمال والمشيخات.
إن الحل لتدهور الصورة الجامعية عندنا ليس صعبا، بل أن البداية تأتي من الإختيار الأفضل والأمثل لرؤساء الجامعات ،ومجرد العودة لقراءة السيَّرالذاتية لمن كانوا يرأسون الجامعات ومن هم في مناصبها العليا ومقارنتها بالحاضر سنعرف كيف كنا وكيف أصبحنا، ولعل أخطر العوامل في تدهور الحال في الجامعات هو التنسيب حسب المعارف والواسطة والمحسوبية ، وهذا يتطلب جرأة في اتخاذ القرارات وإعادة هيكلة للسياسات الجامعية وسلم القيادات، فهل يعقل أن كفاءات قيادية جالسه اليوم في بيوتها ينظرون الى ما يجري وهم يعرفون المرض والعلاج ؟!
إذا أردنا للجامعة الأردنية وجامعة اليرموك تحديدا وهن الأمهات الأوائل للكنز التعليمي في الأردن أن يعود الآلق لهن، يجب أن يتم فصل الكليات الإنسانية تماما عن مبانيها الحالية ونقلها الى أماكن متفرقة كل كلية في منطقة غير بعيدة،كما هو الحال مع البلقاء التطبيقة، وإبقاء الكليات العلمية فيها ومراكز البحث العلمي ، ورفدها بالإدارات الكفوءة وطواقم تدريس مؤهلة تأهيلا جيدا ،ودعم المتفوقين فيها،والإنتهاء من قصة الحرم الجامعي بتسليم بوابات الجامعات الى مفرزة من الأمن العام، لضبط الدخول والخروج منها، ففي العالم المتقدم ليس هناك أسوار للجامعات، ولكن هناك عقوبات بالطرد لمن يرى نفسه أكبر من الجامعة ورئيسها ويهدد الأمن الجامعي ، فهل نرى ذلك ؟!
عن الرأي