رغم انه كان بشوشاً ودوداً كثير المزاح قبل دقائق مع رفاقه في الحي، الا أنه حاول أن يسترجع هيبته و»وهرته» أمام عائلته الكريمة..
فور دخوله بوابة البيت، ركل كرسي البلاستيك المقلوب أسفل الدرجات برجله اليمنى، كما تنحنح بصوت مرتفع، نظر إلى أسفل قدميه أمام باب الصالون الخارجي فوجد دائرة مبلولة من الكاز.. صرخ بأعلى صوته فأهرعت العائلة بجميع مرتّباتها حيث يقف أبو يحيى:
- شو هاظ؟ هاظ الكاز المكبكب؟! كل يوم والثاني جيب إلنا قلن..عبي كاز وبتكبّوا نصّه ع الأرض، الله لا يعطيكوا عافية لا أنت ولا هو..
- ام يحيى: كنت بعبّي بالصوبة؟؟
- ابو يحيى: صوبّة؟؟ على هالشتا ؟! بتندف ثلج برا!!.. لويش بتديروا الصوبة، وإلا بتكيفوا ع المخسر انتو...روحي صبّي الغدا خلينا نتسمّم.
كانت الكشرة جاثمة فوق حاجبيه وشفته السفلي تتدلّى بثقل من شدة الغضب..دخل وأغلق باب الصالون خلفه ثم نادى أم يحيى من جديد..
- أبو يحيى: شبّاحي شو جابه لهون؟!
- ام يحيى: بيجوز وقع مني يوم لمّيت الغسيل..
- أبو يحيى: هو كل يوم غسيل! الخزان بطّل يقعد لنص الأسبوع.. ومين باقي يوكل كعك هون معبي السجادة سمسم؟!...جيبوا المقشّة وقشّوه. يا الله..!!
- أم يحيى: هسع بلمّه تا أصب الغدا...
يدخل غرفة الجلوس ثم يصيح بأولاده «شو هالصوت هاظ»؟! لويش طالع صياحكو لآخر الحارة؟! كل واحد ينقلع يشيل كتابه ويقرا...ينسحب الأولاد بهدوء من الغرفة..ثم ينادي عليهم..وين رايحين؟؟ بدكوش تتغدّوا..لمين بنطبخ احنا مش الكو..!! فيعود الأولاد من جديد الى الغرفة..
تحضّر أم يحيى الغداء وتفرد الصحون وتسخن الخبز على صوبة الكاز...
أبو يحيى متذمّراً من جديد- الفاصوليا زعقة..اميت بدّك تصيري تعرفي تطبخي والله مانا عارف!!.. صار لك اربعين سنة عندي بالدار وطبخك يا مالح يا فاتخ!..قربتي تموتي وانت بعدك مثل ال... استغفر الله العظيم...
ثم يغرف ملعقة من سدر الرز..يمضغ ويقطب حاجبيه..
أبو يحيى- الله يكسّر أديك بسّ...الرزّ بعده بقرط..يعني طول نهاره الواحد برة الدار بحرث وبيعاقط مشان يوكل لقمة زي الناس وانت طبخ ما بتعرفي تطبخي...
يسود صمت مطبق في المكان..الأولاد يتناولون غداءهم بصمت وهدوء دون أي دفاع يذكر عن الوالدة جرّاء الهجوم الكاسح من الحجي ...يرجع أبو يحيى إلى الوراء..تحضر له أم يحيى وسادتين ليسند ظهره ثم يقول بنبرة مغايرة تماماً وابتسامة شفافة ...
- أبو يحيى: هسع بدنا كاستين شاي من تحت أديك الحلوين يا حصتي!..
يتنفس الأولاد الصعداء وترد الأم بخبرة ودراية بطبع زوجها: بتعرف بشو بتذكرني يابو يحيى؟؟..
- أبو يحيى: بشو؟..
- أم يحيى: بالنواب..بتبهدل ..بتبهدل..وآخر شي بتعطي الثقة!!.
عن الرأي