ترامب ومستقبل العلاقات مع اوروبا
د. هايل ودعان الدعجة
24-11-2016 11:04 AM
في ظل الأحادية القطبية التي يتسم بها النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فان أي تغييرات تطرأ على السياسة الخارجية الامريكية، ستكون لها تداعياتها وتأثيراتها المباشرة على المنظومة العالمية، بدولها وهيئاتها وتحالفاتها.
وبدا ان هناك جملة من الاحداث والتطورات الإقليمية والدولية كحرب الخليج واحداث 11 سبتمبر وغزو العراق وأفغانستان ومحاربة الإرهاب وثورات الربيع العربي وغيرها ، قد فرضت نفسها على اجندة الإدارات الامريكية، بطريقة قادتها الى تبني سياسات واستراتيجيات جديدة. كسياسة الحرب الوقائية / الاستباقية التي انتهجها الرئيس بوش الابن، واستراتيجية الرئيس أوباما بالتوجه نحو شرق اسيا والمحيط الهادي بعد تراجع أهمية الشرق الأوسط على سلم الأولويات الامريكية، وعدم الانخراط العسكري في المنطقة، وصولا الى الزلزال السياسي الذي هز العالم بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة على وقع وعود انتخابية خطيرة وغير مسبوقة ، يتوقع ان تحدث تغيرا في العلاقات الدولية ، وتنتقل بتركيبة النظام الدولي من احادي القطبية الى متعدد الأقطاب في ظل المخاوف التي انتابت القارة الأوروبية تحديدا جراء التداعيات والتحديات المتوقع ان يفرضها هذا الزلزال على علاقاتها التاريخية بالولايات المتحدة ، بطريقة قد تهدد هذه العلاقات بالتوتر والتأزيم ، وتقود الى حالة من عدم الاستقرار في هذه القارة .
ويتمثل ابرز هذه التحديات في تهديد ترامب بإدخال إصلاحات وتغييرات في منظومة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) ، وبانه سيعيد النظر بالالتزامات الامريكية حيال الامن في أوروبا والعالم ، مبديا استعداده لسحب أمريكا وابعادها عن هذا الحلف ، والطلب من الدول الأوروبية دفع مساهماتها المالية وتحمل المزيد من النفقات مقابل حمايتها والدفاع عنها ، ما يهدد مستقبل حلف الناتو وتفريغه من محتواه كمنظومة امنية ودفاعية أطلسية ، فقدت مبررات وجودها وعفا عليها الزمن ، كما يقول ترامب ، منذ انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفياتي . عزز من ذلك خلافات ترامب مع دول أوروبا حول ملفات إقليمية ودولية هامة ومطالبته بإعادة النظر بها ، كالاتفاق النووي مع ايران واتفاقيات التغير المناخي والتجارة الحرة عبر الأطلسي والازمة السورية وغيرها .
يأتي ذلك وسط توقعات بان تشهد العلاقات بين امريكا وروسيا تقاربا وتعاونا في عهد ترامب الذي ابدى اعجابه بالرئيس الروسي بوتين . الامر الذي قد يقود الى تفاهمات بين البلدين على تقاسم مناطق النفوذ بينهما ، واعادة بعض دول أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفياتية السابقة الى المحور الروسي مرة أخرى ، ما سيقلق دول أوروبا ، التي على ما يبدو ستكون مستعدة لاتخاذ إجراءات وعمل ترتيبات وحدوية تعزز من اعتمادها على نفسها امنيا ودفاعيا وتحمي مصالحها وقيمها . حيث أكدت وزيرة الدفاع الألمانية اورسولا فون درلاين على ان تهيء أوروبا منذ الان نفسها لواقع جديد يفرض عليها تخصيص ما يكفي للدفاع عن نفسها . وبدا ان هناك توجيهات اوروبية بضرورة تشكيل جيش موحد لتوفير مظلة امنية ودفاعية أوروبية مستقلة عن المظلة الامريكية على خلفية التغيرات والسياسات الامريكية الجديدة ، لتعزيز قوة دول الاتحاد الأوروبي ، ولمواجهة خطر تنامي قدرات روسيا العسكرية وتهديداتها واستعدادها للجوء الى الخيارات العسكرية لاستعادة مكانتها الدولية ، كما فعلت في جورجيا وشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا (وسوريا).
وسبق ان تبنت كل من المانيا وفرنسا فكرة تشكيل جيش أوروبي موحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، لتشكيل قطب دولي مستقل وقوة عظمى دولية توازي القطب الأمريكي ، وهو ما كانت تعارضه كل من أمريكا وبريطانيا بحجة الخشية من تقويض حلف الناتو الذي يجب ان يبقى ركيزة الدفاع عن اوروبا . وان كان موقف بريطانيا المعارض له علاقة بتبعيتها وبعلاقاتها الاستراتيجية بامريكا وخوفها من ان تهدد هذه الفكرة نفوذها في أوروبا .