رفع سعر الفائدة يغير من آفاق الحركة الاقتصادية والنقدية العالمية
حسام عايش
24-11-2016 09:37 AM
بعد أن حال الانقسام بين صقور مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الدافعين باتجاه الرفع الفوري لسعر الفائدة كرسالة مباشرة للاستثمار في الدولار القوي، وحمائمه - من بينهم جانيت يلين رئيسة المجلس- المطالبين بانتظار مزيد من التحسن في الاقتصاد الأمريكي والأسواق العالمية، تعقد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة اجتماعها الأخير للعام 2016 في منتصف كانون الثاني/ ديسمبر القادم، مع توقعات برفع هذا السعر الذي يتراوح الآن بين 0,25% و0,5%، والثابت عند الصفر تقريبا منذ العام 2008، قبل رفعه نهاية العام 2015.
رفع سعر الفائدة تقرره المؤشرات الاقتصادية، ومدى اقتراب الاحتياطي الفيدرالي من تحقيق الأهداف الأساسية المنوطة به، كتحقيق التوظيف لقوة العمل الأمريكية، والذي يعبرعنه تراجع معدل البطالة ليبلغ 5%، وانخفاض عدد طلبات الحصول على إعانة بطالة أدنى مستوى منذ ما يزيد عن أربعة عقود، ووصول معدل التضخم باعتباره أحد العوامل الرئيسية التي تقرر مستوى أسعار الفائدة، إلى نسبة 2% المستهدفة التي أدى عدم الوصول إليها إلى إرجاء قرار الرفع أكثر من مرة.
لكن لماذا يتم رفع سعر الفائدة، خصوصا وأنه سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار، وبالتالي تراجع الصادرات، والتأثير سلبا على القطاع الصناعي والخدمي وعلى الميزان التجاري؟ قد يكون الوضع ملتبسا إلى حد ما، إلا أنه يهدف لتأكيد قناعة أعلى سلطة نقدية ومالية بأن الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة، وأن نموه وإن كان بطيئا إلا أنه راسخ ومتصاعد، وأنّ المراهنة على استمرار الأداء القوي لسوق العمل وللتوقعات المستقبلية بشأن النمو الاقتصادي في محلها، والأهم أن الفائدة المنخفضة تمثل شكلاً من دعم الدولة للاقتصاد يستوجب التخلص منه.
وعليه لماذا ينتظر العالم هذا القرار؟ لأن رفع أسعار الفائدة بعامة، والأمريكية بخاصة، له تبعات اقتصادية متعددة في اتجاهات متضاربة، فهو يؤدي لحدوث هزات في الأسواق العالمية فتتراجع قيمة الأسهم، وتنخفض أسعار الذهب، وتتقلص أسعار النفط، وتتقهقر قيمة العملات الأخرى في مواجهة ارتفاع قيمة الدولار، وهو وبرغم تأثيره على الصادرات الأمريكية، إلا أنه يجذب رؤوس الأموال العالمية للمصارف الأمريكية، وبمقدار تداعياته السلبية على الإقراض، فهو يعزز موقع الدولار ضمن سلّة احتياطي العملات الدولية، ولذلك تأثير إيجابي على الاقتصاد الأمريكي ككل، وله وظيفة سياسية اقتصادية مزدوجة حيث يؤثر بالسلب على نمو الاقتصادات الناشئة المنافسة للاقتصاد الأمريكي، ومنها الاقتصاد الروسي والهندي والبرازيلي وحتى الصيني.
بالتأكيد ومع رفع الفائدة الأميركية سترتفع أسعار الفائدة المحلية في كثير من الدول التي تربط سعر صرف عملتها بسعر الدولار ومنها دول عربية، للحد من الدولرة، وللمحافظة على جاذبية العملة المحلية، لكن لذلك ثمنه السلبي على معدلات النمو الاقتصادي بسبب زيادة تكلفة الحصول على رأس المال، وتاليا تراجع الاستهلاك والاستثمار لارتفاع تكلفة الاقتراض لتمويلهما، والتي تشمل القروض الشخصية والتجزئة، وقروض القطاع الخاص والقطاع العام المدين للبنوك، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي والعملية الإنتاجية، ليصاحب ذلك تراكم أعباء الديون المقوّمة بالدولار، مما يُعد ثقلا إضافيا يتحمله اقتصاد هذه الدول.
هذا ما ستفعله نسبة 2% السحرية، التي ستغير الكثير من آفاق الحركة الاقتصادية والاستثمارية والنقدية العالمية، وسينشأ عنها مراكز مالية جديدة ستؤثر بالتأكيد على كثير من الشعوب بما فيها شعوب منطقتنا.
لوسيل