لم ار في حياتي المهنية، إنسانة بمعنى الكلمة، مثل الأميرة هيا بنت الحسين، فهي الإنسانة قبل كل شيء، وفيها يفيض العطف وتتجلى الرحمة في كل توجهاتها ومشاريعها واهتماماتها، والمستور في أفعالها اكثر بكثير من المعلن امام الناس.
قبل اكثر من عشر سنوات، كتبت هنا في صحيفة «الدستور» عن عشرات الحالات لأطفال، يعانون ظروفا صحية معقدة، وتبنت الأميرة -بصمت- كل الحالات، برغم الكلف المذهلة والكبيرة جدا، في ذلك الوقت.
احدهم كان بحاجة الى عمليات جراحية معقدة جدا في المانيا، لمعالجة مشكلة في العظام، وعلاجه مكلف جدا، ويستمر لسنوات طويلة، وكان بحاجة الى متابعة على مدى سنين .
الطفل تبنت علاجه يومها الاميرة هيا بنت الحسين، بكرم بالغ، فأجرى الطفل عملياته بشكل متسلسل، واستفاد من علاجه، وبات يمشي بطريقة احسن بكثير، مما كان قبل العلاج، صبر الطفل، وحظي بالرعاية، لم تتعب الاميرة من حاجة الطفل لمزيد من الرحلات، ولا من حاجته لمزيد من العمليات، بقيت داعمة له حتى النهاية.
هاهي الايام، تأخذه بعد تفوقه في الثانوية العامة في الاردن، للسفر مجددا الى المانيا لدراسة الجامعة، وما من شعور مذهل، مثل رؤيتك لهذا الشاب اليوم، وقد اجتاز هذه المراحل، شعور غير مسبوق، واللافت فيه، ان الاميرة فعلت الخير، ونسيت القصة، ولا تعرف ان الطفل بات شابا، في مقاعد الدرس في جامعته، متفوقا، ومن الاوائل، وهذه مسرة لها في الدنيا والآخرة، فصيانة حياة الانسان، هي مقصد المباركين.
مثله طفلان توأمان من الكرك، ذكر وانثى، ولدا لا يسمعان، وكانا بحاجة في عام 2004 الى قواقع الكترونية، وكانت مكلفة جدا، في ذلك الوقت، من اجل السمع، ثم التدريب على السمع والنطق، وذات الاميرة هيا بنت الحسين تبنت الحالتين بعد نشري لحكايتهما، هنا، وتراهما اليوم، وقد استفادا وانقذت الاميرة حياتهما، وباتا يسمعان، فإنقاذ الطفل، من الضياع، امر عظيم جدا، ومعروف لا يساويه معروف.
حالات كثيرة، كانت تتبناها الاميرة بكلف مالية كبيرة جدا، وكانت تأبى ان يتم الحديث عنها، فلم يكن يهمها الا انقاذ الاطفال، وتغيير حياتهم، وهذا امر كان يحصل دوما، بعيدا عن عيون الناس والاعلام، الذين يعتقدون، ربما، ان اهتمام الاميرة ينحصر في تكية ام علي، وحسب، وبرغم اهمية التكية وفرادتها في الاردن، الا ان هناك في ذات السياق خطوات كثيرة على مستوى الاردن والامارات والعالم.
مناسبة الكلام، هذه النزعة الانسانية في الاميرة، عبر كل نشاطاتها الانسانية الدولية، في مجال الاغاثة، وفي مجال اطلاق الحملات الدولية، والوصول الى شعوب منكوبة، مع كل المؤسسات الخيرية الاغاثية والخيرية والمستشفيات التي ترعاها الاميرة في دبي، والتي اصبحت موقعا لاهم المؤسسات الخيرية والاغاثية في العالم عبر مدينة دبي للخدمات الانسانية، وهذه نزعة اصيلة في شخصيتها، تراها تنقلها اليوم بشكل لافت للانتباه الى ابنتها الشيخة الجليلة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، حين تهدي الاخيرة قبل ايام مستشفيات الاردن اجهزة طبية قيمتها تتجاوز المليوني دينار، فالابنة على خطى الاب والام معاً، ادراكا ان ما من سر في هذه الحياة، مثل سر اليمنى، حين تكون اليد اليمنى مبسوطة بالخير لاولئك الذين تقطعت بهم السبل.
ما من عمل مهم في هذه الحياة، مثل العمل الخيري، خصوصا، حين يكون لله، والمستور فيه، اكثر من المعلن، والله عز وجل يبارك في كل شخص يسعى لخير الناس، وفي تاريخنا، وحياتنا الحاضرة، تستحق الرموز التي تكرس حياتها لعمل الخير، اهتماما خاصا، فهذه الرموز تحوز دوما اهتماما من الناس، وبركة من الله، لان التخفيف عن الفقراء والايتام والمساكين، ومن تعرضوا الى ابتلاءات، امر ليس سهلا، فأغلب الناس لا تقدر على هذا الامر، اما لاسباب مالية، او لعدم القدرة على عمل الخير.
يقال للأميرة هيا بنت الحسين بعد هدية الشيخة الجليلة لمستشفيات الاردن، إن هذه خير هدية، هدية تساعد في تخفيف الم الناس، وترفع عنهم معاناة كثيرة، وفي الهدية رسالة تحض كل من هو قادر ايضا، على ان يقدم من ماله للمحتاجين، وأن يقدم ايضا، للمؤسسات التي ترعى الخير، الدعم اللازم حتى تستمر، من أجل إطفاء الحرمان في هذه الحياة، في نفوس كثيرين.
ان تكون انسانا، فتلك مرتبة مباركة، لا تساويها كل الرتب الأخرى في الحياة، فهي المرتبة الأولى، التي يتفوق صاحبها على الجميع.
"الدستور"
maherabutair@gmail.com