مداخلة بين أيدي لجنة تطوير القضاء
المحامي محمد الصبيحي
24-11-2016 09:29 AM
بعد أن أخذ القضاء حيّزاً كبيراً بالغ الاهمية من ورقة جلالة الملك النقاشية الاخيرة وجاءت الرسالة الملكية الى دولة السيد زيد الرفاعي ليرأس لجنة رفيعة المستوى لتطوير القضاء فان ما يمكن تناوله في الموضوع من قبل رجال القانون وبخاصة من يعملون في الميدان بين قاعات المحاكم كثير ويحتاج الى صفحات وصفحات من المشاركة في الكتابة والحوار .
وليسمح لي دولة رئيس اللجنة أن اتناول في هذه المداخلة جانبين باختصار:
الاول : تشكيل المجلس القضائي وحصانته:
ان جزءاً كبيراً من جمود تطوير القضاء جاء من المجلس القضائي على مر سنوات طويلة حين غابت المعارضة عن قرارات المجلس الذي يعمل أعضاؤه تحت وطأة قرار مفاجئ بالاحالة الى التقاعد الامر الذي ادى في مراحل متعددة الى تحول المجلس الى مجلس الرجل الواحد – رئيس المجلس – الذي يقدم مسودة القرار ولا يملك الاعضاء سلطة معنوية للمناقشة والمخالفة فيجري التوقيع حتى قيل ان بعض القرارات كان يتم توقيعها (بالتمرير) – ان صح ما قيل -.
ومن هنا فان تحصين اعضاء المجلس القضائي من الانتداب او الاحالة الى التقاعد لمدة محددة يكون فيها القاضي عضوا بالمجلس بات امرا ملحا لتطوير عمل المجلس وتمحيص القرارات.
واذ نسجل للمجلس الحالي دوره في استقرار عملية التنقلات والانتدابات والاحالات الى التقاعد بين رجال القضاء فان تعديل قانون استقلال القضاء باتجاه تحصين اعضاء المجلس هو الضمانة الثابتة لهذا الاستقرار في المجلس فلا احد يضمن ان يستمر الامر في المستقبل وفق (مسطرة) محددة ثابتة تراعي الامن الوظيفي للقاضي من غضب رئيس أو وشاية قد لا تجد من يستوضح ويدافع عن القاضي منها.
الثاني: الاوضاع المعيشية للقضاة
واقتبس هنا فقرة من رسالة جلالة الملك الى دولة رئيس اللجنة (والتطوير والارتقاء بأداء السلطة القضائية، بما في ذلك توفير الإمكانيات المناسبة للقضاة ورفع قدراتهم وتطوير معايير الجدارة والكفاءة في تعيينهم ونقلهم وترفيعهم وتحسين أوضاعهم، وتوفير بيئة مؤسسية عصرية للجهاز القضائي وأجهزته المساندة).
واذ نتفق ان القاضي مقيد في حياته الاجتماعية والاسرية وتحسب عليه تصرفاته في المجتمع فلا يستطيع ابناؤه ان يظهروا في وضع (مهلهل) ولا هو بقادر على ممارسة عمل آخر خارج الدوام الرسمي (وظيفي او تجاري) لتوفير احتياجات اسرته وينوء اغلب القضاة تحت وطأة رسوم المدارس والجامعات فيلجأون للبنوك التي ينظرون لها مئات القضايا في قاعات المحاكم, ويضطر غالبية القضاة الى الوقوف ساعات في عيادات ومستشفيات وزارة الصحة طلبا لعلاج أو أمام (كراجات) الميكانيك لإصلاح سيارات بالية, فان هذا الوضع غير مقبول في دولة يسعى جلالة الملك فيها جاهدا لبناء منظومة قضاء تضاهي القضاء الاوروبي.
واذا ما قال قائل إن رواتب القضاة أعلى من رواتب نظرائهم في الدرجة في مؤسسات الدولة الاخرى فان الجواب أن القضاة يعملون ضعفي ما يعمل موظفو الدولة في كافة المواقع, فأين هو القاضي الذي لا يحمل عشرات الملفات الى بيته؟ واذا لم ينجز جاءه المفتش القضائي مراقبا لائما لا يرحم أو سارع محامون الى الشكوى من تأخر فصل قضاياهم ناهيك عن (حالة الطوارئ) المعلنة يوميا في بيت القاضي فسعادته يراجع القضايا وعلى الزوجة والابناء الصمت المطبق والتوقف عن الالحاح في المتطلبات ..
ومن جانب آخر فان ما يحصل عليه موظف درجة سادسة او خامسة في دائرتي الجمارك وضريبة الدخل وفي البنك المركزي ضعف ما يحصل عليه اي قاض من الدرجة الخاصة الى السادسة.
واتساءل ايضا عن التفاوت في العلاوة القضائية بين القضاة فهي 120% لقضاة الفئة العليا و(100%) لمن هم دون ذلك في الدرجة في حين ان العلاوة في دوائر الدولة للمهندسين والاطباء وغيرهم موحدة (100%) من الراتب الاساسي وكذلك التفاوت في التأمين الصحي والاعفاء الجمركي للسيارة والاجازة السنوية (45) يوما لقضاة الدرجات العليا و(30) يوما لباقي القضاة, فهذا الامر قسم القضاء الى قسمين قسم (مرتاح) وقسم وهو الاكثر عددا (يعاني) صعوبة العيش.
اما عن الاجهزة المساندة (كتاب المحاكم والمتابعة وقلم المحضرين والمراسلين) فحدث ولا حرج وفيه ما لايمكن أن نقوله علنا من اوضاع صعبة ومشكل ادارية ويكفي ان نقول لكم أننا نقف امام القاضي احيانا ربع ساعة أو أكثر ريثما يعثر على مراسل ينادي على احد اطراف الدعوى أو على شاهد تاه في اروقة المحكمة, ونعاني أشد المعاناة في العثور على موظف او مراسل لنقل ملف دعوى من القلم الى مكتب القاضي ثم اعادته الى القلم ثم تحرير كتاب رسمي الى جهة ما او تصوير ملف!، وعليه فان شكاوى موظفي المحاكم من كثافة العمل وظلم الراتب والحوافز ينبغي ان تعالج جذرياً.
وللحديث جوانب اخرى كثيرة .