لنحاسب أنفسنا قبل أن تحاسبنا " هيومن رايتس "!
11-10-2008 03:00 AM
لا يمكن لعاقل أن يجادل في إن الصفات المتوحشة للإنسان هي صفات مكتسبة ، لأن الرجل الجبار كان يوما ما طفلا يبحث عن الحنان وعن الابتسامة في وجوه الآخرين كي يألفهم .. أما التمرد على الطبيعة البشرية والأخلاق العامة والمشاعر الإنسانية فهي تعود في أساسها الى انحراف في التربية يذكيها تعود النفس على فواحش العمل حتى تصل النفس البشرية أحيانا الى مستوى النفس الحيوانية الشرسة ، فيقتل الإنسان ، ويسرق ، ويخون الأمة بكل سهولة .. وهذا من الطبيعي بمكان في ظل غياب سلطة القانون ومنظومة التربية الاجتماعية الجماعية والوازع الأخلاقي أولا والديني أخيرا .
سقت هذه المقدمة حتى أصل الى إن المتجبر هو إنسان عادي بالضرورة ، أكان مواطنا أم رجل أمن ، والفرق هنا فيما أسلفنا من تربية ورادع ، ولأن القانون ليس رادعا بالضرورة ،فسيبقى كثير من الناس يستمرئون التعدي على حقوق الإنسان حتى في ظل الاحتفال بما يسمى اليوم العالمي لحقوق الحيوان ، وما بين الحيوان والإنسان هناك شعرة إحساس لا تكاد تعرف أو تفهم ، ففي المفهوم الشعبي ، يتطير الناس خشية من ضرب قطة على اعتبارات فكرية ليس لها مكان من الصحة تفيد بأن عقاب الله نافذ فورا ردا على ضربك أو قتلك قطة ، أما ضربك لإنسان كرمه الله ،فالمسألة فيها نظر .. حتى وإن بحث هذا الإنسان عن إهانة نفسه بنفسه .
لذلك لا اعتقد ان هناك قانون يمنع بصراحة العبارة عمل أي فعل مسيء ، بل المسألة ان قوانين العقوبات تعاقب على ارتكاب هذا الامر ، وعليه فلك أيها الإنسان ان تفكر في النتيجة ، فإن كنت في صحراء فاقتل واضرب ، وان كنت في مركز أمن "عمون " مثلا ، فلا تفتح فمك إلا للتنفس ، ولا تتنفس إن استطعت لنفسك كتمّا .
لذلك فإن قضية العنف في السجون الأردنية ، يجب ان تحل بشكل مباشر ، وبناء على أوامر مباشرة ترد من المرجعيات في الجهاز الأمني ، بسرعة تحريك دوريات شرطة لمطاردة سائق مخمور أو لص هارب . والحل لا يعني كف يد الأمن وكفى ، بل إعادة تأهيل البعض من الأفراد الذين يعتدون على الموقوفين أو المسجونين والذين اعترفت للأسف الحكومة بوجودهم ، وأسفي هنا لحقيقة الواقعة .
فكما يتدرب رجل الأمن على استخدام السلاح ، والتمارين القتالية ، والحلاقة كل صباح ، وضبط الهندام ، يجب ان يخضع لدورات عامة في فلسفة هذه الحياة ، وإخضاع من يسيء الى دورات مكثفة وجلسات لدى مختصين في علم النفس .. فأنا أشك في أن من يعتدي على مواطن سجين أعزل داخل السجن الذي هو عقوبة واضحة ، أشك في إنه يستطيع ضربه خارج السجن بكل تلك البساطة ، أو حتى رفع يده على " أزعر بلطجي " في أحد الشوارع الخلفية للمدينة ، وذلك ليس من المروءة في مكان .
الأمن العام بصورة عامة يضرب لنا أمثلة رائعة في الخدمة العامة ، ويقدم جلّ وقت أفراده في حماية الوضع الداخلي الظاهري ، وصون الممتلكات العامة ، وتسيير أمور الناس وتسهيلها ، ولكن هناك نفر من أفراده يسيئون لسمعة هذا الجهاز ، وهذا يجب ان تعترف به الحكومة ، ليس في السجون وحدها ، بل حتى في الشوارع ، فعندما يقف شرطي سير مكتوف الأيدي ، لا يستطيع ان ينظم حركة السير على إشارات الشوارع المزدحمة ، ويرتجل قرارا يعطل سير مئات السيارات ، فتلك إشارة الى إن الضباط المتنعمين بمكيفات الهواء في مكاتبهم ، قد أساءوا للوطن بتركهم لبعض الأفراد ( المخلصين والمجتهدين ) يكابدوا طوفان أزمة السير بأيد فارغة لا حول لها ولا قوة .
عندما تطارد خمس سيارات ذات المحركات الكبيرة ، سيارة مشتبه بها ، عشرات الكيلومترات وتعرض حياة الآخرين للخطر ، ثم يلقى القبض على السائق فإذا به صاحب سوابق ، سنتأكد بأن المقبوض عليه ، هو فعل فعلة فردية أساءت للآخرين ، بينما من قبض عليه كان من الممكن أن يكونوا مجموعة كادت أن تسيء للوطن بداعي القانون .
وعليه فإن من يحتمي بالقانون ليسيء للآخرين من الأجدى أن يوقف فورا ، وان "يبيّض " سمعة الجهاز .. يجب أن يزيل الشرطي هذه العقدة التي أصابته ، وأن يتذكر إن عمله المسيء ليس بطولة بل هو مرض نفسي أصابه ، بعد أن امتلك مبررا لكي يتصرف كما يشاء تحت قبعة تحمل شعار الأمن العام ، وقبل ذلك لم يكن شيئا .
"هيومن رايتس ووتش" ، لها أجندات حقوقية ، ونعلم ذلك ، ووجدت في الأردن مرتعا خصبا لتقاريرها ، لأن هناك العديد من المسؤولين غير راضين عن وضع حقوق الإنسان في المجتمع وداخل السجون ، ولكنها توبخنا لأننا أسأنا لأنفسنا ولأهلنا ولأفراد مجتمعنا ، هي لم تتحدث عن ارتكابنا لإساءات ضد سكان موزامبيق ، وهذه المنظمة الحائزة على جائزة نوبل ، دخلت سجن المخابرات العامة اكثر من مرة في الوقت الذي لم تستطع فيه دخول بلاد عربية حتى ، واعتمدت في تقرير سابق لها على شهادات ، من يقرأها يعلم إن الشاهد لا يملك الكثير من المصداقية ، لأن ما يقوله لا يقبله حتى النفس البشرية ، ولا يوجد الا في مخيلته .
عموما .. وقبل ان يخرج علينا تقرير جديد من منظمة مراقبة حقوق الإنسان " H R W " أو من المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي اعترف رئيسه الجديد د.عدنان بدران بصحة بعض ما جاء في تقرير المنظمة ، يجب ان تجرى تغييرات واسعة في جهاز الأمن العام ، وأن تخضع السجون لمراقبة جهات أردنية نظيفة اليد والعقلية ، فمكافحة الفساد لها موسم غلال جيد لو حققت في الكثير من القضايا داخل السجون التي أصبحت مراكز ولادة لبعض العقليات الإجرامية ، وما نسمعه ويروى لنا شيء نكر ..
فتعاطي المخدرات يتم داخل السجن ، بل يقال ان تجار المخدرات داخل السجن لهم وضع مميز هناك ، وكثير من الأفعال المشينة تجري داخل ما تسمى بالمهاجع ، والاختلاط بين سجناء الرأي والقضايا العادية التي قد يتعرض لها أي مواطن صالح وبين المجرمين والزعران والحشاشين واللصوص هو اختلاط مسيء ، وقد يكون الصالح عرضة للانحراف من تلك النقطة .
ولو أردنا ان نفكر قليلا في وضع السجون تحديدا لوجب على المسؤولين أن يعطونا إجابات عن أحداث وقعت من قبل فيها ، ومنها سؤالنا كيف هرب السجناء من سجن الجويدة المحصن ومن المتورط ، وكيف استطاع سجين الاتصال هاتفيا مع محطة فضائية خارجية ، وكيف عرف سجناء سواقة بما جرى في سجن الموقر .. أسئلة كثيرة لا نريد من الحكومة الإجابة عليها ،، بل نريدها ان تضع خطة سريعة لمعالجة مشاكل السجون وتجاوزات بعض أفراد الأمن خارج السجون ، وان لا يكون مبدأ حماية فايز مبررا للاعتداء على فواز .. طالما افتخرنا كأردنيين في وضعنا الأمني وسمعة الجهاز ، وحتى نبقى على ذات الفخر ، فلننظر الى سمعة دائرة المخابرات و أفراد الجيش والدفاع المدني الذين لا يسمع عنهم أي شكوى تعسفية أو تلكؤ في العمل أو تجبر ظاهر على المواطن بل إنهم يعكسون الصورة المشرفة للعملية الأمنية والخدمات العسكرية داخل المجتمع المدني بصورة نتفق جميعا على مضامينها وان اختلفنا في بعض شكلياتها . .. وسمعة الوطن من وراء القصد Royal430@hotmail.com