لم يعد حدثاً سياسياً مدهشاً ما يجري في مجلس النواب من مناقشة بيان الحكومه او مناقشة الموازنة العامة للدولة لان الترقب مرتبط بوجود خيارات متوقعة للحدث، فهذه المواسم الرقابية لم تعد مصدر قلق للحكومات وليست فعلا سياسيا بالنسبة للنواب، فالجميع يمارسون فعلا روتينيا بنهاية معلومة تماما مثلما هي المسلسلات العربية حيث النهاية السعيدة وموت الاشرار، وحتى من يعتبرون أنفسهم معارضة او لديهم حالة غضب او زعل فهم يريدون إرسال رسالة فقط.
حديثنا ليس عن مناقشة بيان الحكومة بل عما يجب ان يقلقنا جميعا، فالتحدي الاقتصادي كما يتحدث جلالة الملك دائما هو الأكبر، وجزء من هذا التحدي ناتج عن أزمات المنطقة وآثارها علينا، لكن جزءا آخر نتحمله نحن بإدارتنا لهذا الملف، لكن المشكلة بالنسبة لنا جميعا هو اللجوء الى ذات الطريق منذ عام ١٩٨٩وحتى اليوم.
وتماسك الدولة واستمرار مسارها الآمن والطبيعي تحققه الإدارة السياسية والامنية والعسكرية لملفات المنطقة وعلاقتنا بها، لكن هذا التماسك يتأثر بعامل داخلي هو الملف الاقتصادي وآثاره على المواطن وطريقة استغلاله من قبل اي طرف، فحتى اليوم مازالت قناعة الناس انه لا أولوية تسبق استقرار الدولة، لكن ادارة الحكومات للملف الاقتصادي ينبغي ان تراعي معاناة الناس، اي ألا تعتمد بشكل مطلق على استمرار أولوية الاستقرار، لان الناس تعتقد ان لها حق على حكوماتها بان تبذل كل جهد ممكن للتخفيف على الدولة وعلى الناس وليس اللجوء الى تكرار ذات الإجراءات دون ان تكون هناك اي اعتبارات لمعاناة الناس.
التعامل الإيجابي السياسي والامني والعسكري الاردني وما انجزه من المحافظة على استقرار الدولة وما صاحبه من قناعة شعبية بان أولوية استقرار الدولة لا منافس لها حتى لو صاحب هذا معاناة على الناس يجب ان يصاحبها تعامل عميق واستراتيجي من الحكومات مع حق الناس في تخفيف معاناتهم الاقتصادية المباشرة، وَمِمَّا يزيد في العبء المباشر على صاحب القرار ان الناس لم تعد تنتظر حلولا من ممثليهم في مجالس النواب، ولا تنتظر ضغوطا على الحكومات في مواسم الرقابة الدستورية مثل مناقشة الثقة او الموازنة.
ما يجب ان يقلقنا ان يكون فعل الحكومات في ادارة الملف الاقتصادي ومعاناة الناس اقل بكثير من الفعل السياسي والامني والعسكري الذي يبذل لحماية الدولة من تحديات الإقليم، فالتحدي الداخلي مهم جدا، وما نتحدث عنه ليس انتاج معجزات بل ادارة للملف تراعي الناس مثلما تراعي الضغوط الكلية على الاقتصاد والتي يتم معالجتها ببرامج التصحيح.