سيادة القانون أساس الدولة المدنية
محمود الشيبي
22-11-2016 10:20 AM
حسم جلالة الملك في الورقة الملكية النقاشية السادسة الجدل في أنّ الدولة المدنية هي دولة القانون التي تستند إلى حكم الدستور وأحكام القوانين في ظل الثوابت الدينية والشرعية، وترتكز على المواطنة الفاعلة، وتقبل بالتعددية والرأي الآخر، وتحدد فيها الحقوق والواجبات دون تمييز بين المواطنين، بسبب الدين أو اللغة أو اللون أو العرق أو المستوى الإقتصادي أو الإنتماء السياسي أو الموقف الفكري.
بهذا التعريف الواضح والحصيف للدولة المدنية أزال جلالته اللبس والتأويل عند مَـنْ يرون في الدولة المدنية دعوة إلى العَـلْـمانية المطلقة. حيث بيّـن جلالته أنّ الدولة المدنية ليست مرادفة للدولة العلمانية، فالدين في الدولة المدنية عاملٌ أساسيٌ في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية. وهو جزء لا يتجزأ من دستورنا، ولا يمكن أنْ نسمح لأحدٍ أنْ يستغل أو يوظف الدين لتحقيق مصالح وأهداف سياسية أو خدمة مصالح فئوية. وهذا توضيح آخر لمن يستغل الدين لمآرب أخرى.
وأكّـد جلالته أنّ مبدأ سيادة القانون لا يمكن أنْ يترسخ إلاّ بوجود جهاز قضائي كفـؤ ونزيـه وفاعل. إنّ رؤية جلالة الملك في الورقة الملكية النقاشية السادسة وما سبقها من أوراق ملكية يجب أنْ تكون ميثاقاً وطنياً وليس أوراقاً للنقاش الذي اكتوينا بناره دون جدوى وظلّ حواراً للطرشان. وهي تعتبر مرجعاً لبناء أي دولة تريد أنْ تنهض ولو من تحت الركام. لكن مَـنْ سيطبق ما جاء في الرؤية الملكية ؟!.
لا أظن أنّ الحكومة قادرة على تنفيذ الرؤية الملكية، وسيكون صداها تصريحات إعلامية وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع. إنّ ما قاله جلالة الملك يتمناه كل مواطن من أبناء الوطن، لكنّهم يتمنونه إجراءات على أرض الواقع بعد أنْ خذلتهم الحكومات المتعاقبة . لذا فهم يتطلعون إلى جلالة الملك لأنه رأس الدولة ورئيس السلطات الثلاث ، وهو الوحيد القادر على الأمر بتنفيذ الرؤى الملكية لتكون ميثاقاً وطنياً يُـضـم إلى الدستور . وحتى نضمن حسن تطبيقه لا بد من متابعة المخابرات العامة والأمن العام لما يجري على أرض الواقع بقصد رفع الظلم عن كل مظلوم. وكما قال جلالة الملك " فإنّ التواني في تطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق ، ويضعف الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها "، وهذا ما يشعر به المواطن.
على أنّـه إذا أردنا أنْ يكون الجهاز القضائي كفؤاً ونزيهاً وعادلاً، فيتعيّـن اتخاذ إجراءات تضمن الكفاءة والنزاهة والعدالة. فالقاضي يجب أنْ تُـهـيأ لـه أسباب الراحة والإستقرار المالي، حتى لا يكون ذهنه مشتـتاً بين ما في يديه من ملفات قضائية، وبيـن متطلبات أسرته وأبنائه، وهذا يعني أنْ لا يقل راتب القاضي المبتديء عن أربعة آلاف دينار تزيد مع كل ترقية ومع ازدياد سنوات الخدمة، خشية أنْ يقع في الزلـل، خاصة إذا كان بين يديه قضايا بالملايين وهو غير قادر على تأمين أقساط الجامعة أو المدرسة لأبنائه. أما إذا أردنا أنْ نحقق كفاءة في أداء القضاة، فيتعيّن على المعني بالأمر أنْ يسعى لتعيين النابهين من المحامين أصحاب الكفاءات أو الخريجين المتميزين ممن لا يـقـل تقدير شهاداتهم الجامعية عن الممتاز أو الجيد جداً المرتفع، وأن نبتعد عن الوساطة التي أوصلت إلى القضاء مَـنْ تنقصهم الكفاءة فظلموا ودمروا أسراً.
إنّ العدل أساس الملك، وهذا ما سعت اليه الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وما فعله الخلفاء الراشدون، وأفعالهم في هذا المجال تسبق أقوالهم. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا". ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :" اتقوا الظلم فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة". وفي التاريخ سأل تشيرشل رئيس وزراء بريطانيا وقت الحرب العالمية الثانية مستشاريه عن حال القضاء، بعد أنْ وصل الإقتصاد البريطاني إلى الحضيض نتيجة الحرب، فأجابوه أنه بخـيـر، فقال مقولته المشهورة ( طالما أنّ القضاء والعدالة في البلد بخير فكل البلد بخير). وكذلك فعل شارل ديغول عندما دخل باريس بعد تحرير بلاده من الغزو الألماني، سأل سؤاله الشهير، هل القضاء بخير، فقالوا له نعم. فقال قولته المشهورة ( إذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير .. فهو الدعامة الأساسية للنهوض بالدولة)، لذلك تقدمت الدول الغربية وازدهرت اقتصادياً . وهذا ما يؤكده جلالة الملك صباح مساء، حيث قال :" إنّ سيادة القانون هو ما يميز الدول المتقدمة الناجحة في خدمة مواطنيها وحماية حقوقهم، وهـو الأساس الحقيقي التي تُـبنى عليه الديموقراطيات والإقتصاديات المزدهرة والمجتمعات المنتجة".
إنّ تنفيذ القانون من قضاة يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والعدالة هو ما يجب أنْ تسعى اليه الإدارة الأردنية، من أجل الإصلاح وتطوير البلاد سياسياً واقتصادياً .
والإدارة الوطنية الكفؤة هي مَـنْ تُسـائل الموظف وتحاسبه على تقصيره وإهماله، وتكافئ مَـنْ يستحق المكافأة بالترفيع السريع.
إنّ نهج جلالة الملك هو نهج قـائـد حكيم يطمح في بناء دولة قوية عصرية، غير أنّ المواطن يتمنى على جلالة الملك أنْ يُشرف بنفسه ومن خلال أجهزة معيّنـة على تحقيق العدالة حتى يقطع دابر الظلم والظالمين.
محمـود الشـــيبي