التعليم قضية مجتمعية (ج 2)
د. أماني ابو عيشة
22-11-2016 10:18 AM
كيف ينفذ المعلمون المناهج
هناك مجتمعات تفرض فيها المناهج على المعلمين ومجتمعات أخرى تترك فيها حرية الاختيار للمعلمين، ففي الحالة الأولى يجب أن نعرف كيف ينظر المعلم إلى محتوى الكتاب المدرسي؟ وما نوع الخبرات التعليمية التي يتيحها لتلاميذه؟ وهل لها علاقة بالمنهاج وأهدافه؟ وهل يلتزم المعلم بالفكر التربوي السائد في مجتمعة أم يلتزم بفكر تربوي أخر أم انه لا يلتزم بفكر تربوي على الإطلاق؟ أما في الحالة الثانية نجد أننا بحاجه إلى طرح سؤال إضافة لما ذكر وهو هل جاء اختيار المعلم لمنهاج معين انعكاسا للفكر التربوي السائد؟
كل هذه التساؤلات تدور حول أساس الفكر التربوي أو النظرية التربوية، فالمعلم في ممارسته لمهنته ليس مجرد ناقل معرفة وإنما هو أكثر من ذلك، فهو يحمل اتجاهات وقيم ومسلمات ووجهات نظر خاصة حول طبيعة الطالب وإمكاناته وحول نظرته ومفهومة للمعرفة، وهو ما تقوم عليه النظرية التربوية. فكثير من الأخطاء التي عانت منها المناهج في معظم الدول كانت نتيجة لترجمة العديد من جوانب الفكر التربوي.
فاذا نظرنا إلى ميدان المنهج نجد أن هناك ثلاثة اتجاهات شائعة، فهناك اتجاه يجعل من الطالب محورا له، وهذا يعني أن يجعل من الطالب وإمكاناته وميوله وقدراته أساس لاختيار محتوى المنهاج وتنظيمه وأيضا أسلوب تنفيذه.
وهناك اتجاه آخر يجعل من المعرفة محورا له أي للمعرفة شيء لها مكانه خاصة فهي غاية الغايات والنهاية التي لا يضارعها شيء من حيث الأهمية وهنا تكرس كافة الإمكانات لصب المعلومات في عقول الطلبة بصورة نمطية وفي هذه الحالة لا يوضع للطالب من حيث إمكاناته أو ميوله أو قدراته أي اعتبار بل المعلم يحدد دورة ويصبح دورة منحصر في زاوية ضيقة وهي نقل المعرفة من الكتاب إلى العقل البشري .وأما الاتجاه الثالث الذي يجعل من المجتمع محورا له ، أي التركيز على ما يريده المجتمع بكل ما يعنيه ذلك من حاجاته وفلسفته وثقافته وما يعتريه من تغيرات. لكن بالنظر نظرة فاحصة إلى هذه الاتجاهات نجد انه لا يجوز الفصل بين الجوانب الثلاثة،(الطالب-المعرفة-المجتمع).
فالاتجاه الأول في نظرته إلى الطالب كمحور له إنما يعده ليعيش في مجتمع معين ويكون قادر على ممارسة دور فيه ووسيلته هنا هي المعرفة، والاتجاه الثاني في نظرته إلى المعرفة كمحور له يعتبر أن الكبار هم الأقدر على اختيار ما يصلح للصغار من بين تراكمات المعرفة المتزايدة وانه يجب نقل المعرفة لتحمله عقول الطلبة وتنقله إلى الأجيال التالية وهنا ينظر للطالب كوسيلة لغاية يرجى تحقيقها في مجتمع معين. أما الاتجاه الثالث في نظرته إلى المجتمع كمحور إنما يعد الطالب للالتحاق بسوق العمل في المجتمع ووسيلته في ذلك هي المعرفة.
فليس من المعقول أن يستند المنهاج المدرسي إلى ناحية فقط وليس من المعقول أن تأتي إلى المدرسة الابتدائية مثلا وتنظر إلى الطلاب في محاولة لرصد اهتماماتهم مهما كان نوعها ونسير خاضعين لها تماما، وليس من المعقول أن نكتفي بقدر معين من المعرفة لنقلة إلى الطلاب فهذا وحده لا يكفي في التربية، وأيضا ليس من المعقول أن نقول إذا كان هناك دوله قد بدأت عهد جديد في مجال الاقتصاد ، فلابد لنا أن نزيد من أعداد المقبولين في المدارس التجارية مثلا. فوظيفة المدرسة والمنهاج ليس فقط تخريج أفراد يعملون في سوق العمل فقط وإنما هناك وظائف أخرى منها تخريج طلبة لديهم كفاءات لازمة لتطوير المجتمع ودفعة إلى الأمام وتنقيته مما علق به وبثقافته من عادات سيئة أو تقاليد عقيمة أو غيرها من أمور تعوق حركة المجتمع وتطوره وهذا يؤكد أن أي نظرية في مجال المنهاج يجب أن تكون ثلاثية الأبعاد (طالب – معرفة -مجتمع) لكن المعلم هو المشارك الأساس في الجوانب الثلاثة ووثيق الصلة بها جميعا. إذ يتولى المعلم مسؤولية تربية الطلبة ومن خلال ذلك هو يعي تماما طبيعة الطالب وإمكاناته ويعي طبيعة الإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه ومتطلباته وتوقعاته من العملية التربوية التي يمر بها المتعلم، فالمعلم صاحب مهنه في المجتمع وهذا المجتمع له فلسفه تنعكس على الفكر التربوي السائد فيه، وبالتالي هو مطالب بأن يكون على وعي بالأبعاد وقادر على تمثيله في المواقف التعليمية وبالتالي المعلم يعد بداية ونهاية ما يجري من تفاعلات بين هذه الجوانب الثلاثة. يتبع....