إن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص لا يعني اعطاء الجميع نفس المزايا ولكنه يتيح الفرص للجميع لتحقيق اهدافهم.
اذا فشل احدهم في الحصول على المزايا بسبب نقص فيه، كان عليه ان يتحمل العاقبة وان يعود ليضيء شمعة حتى يحصل على نتيجة مرضية لا ان يلعن الظلام.
قد يبدو مبدأ تكافؤ الفرص لاول وهلة واضحا ومعقولا وقد يبدو سهل التطبيق، ولكنه يثير في الحقيقة من المشكلات الاخلاقية والعملية ما قد يبعث اليأس من امكان تحقيقه.
لكن هذا المبدأ يستند في الواقع الى مفهوم العدل، وهذا المفهوم ليس بالبساطة او الثبات اللذين نتصورهما.
عند معاملتنا للناس يجب استبعاد العوامل التي من الظلم السماح لها بالتأثير في هذه المعاملة، ولكن هذا الذي نعتبره ظلما لا يتفق عليه الناس دائما ولا يستمر الناس في اعتباره ظلما الى الابد.
ربما اذا حصل انسان على حق دون غيره فانه يعتبره حقا واذا لم يحصل عليه فيعتبر ذلك عدم مساواة.
لكن التمييز في اختلال آليات اختيار القيادات، لا يزال المعيار الحاكم والشائع على ما سواه من المحسوبيات والشللية التي لا علاقة لها بالمساواة.
لذلك نحن نفقد الكثير من الكفاءات والمواهب التي تجبر وتكره على الانزواء، أو تفتش عن بلد آخر تهاجر اليه الذي يقدر الكفاءة والخبرة والقدرة.
تعد هذه المسألة عاملا مهما وراء ضعف اداء العديد من المؤسسات،المدعوة للتفتيش عما تحت يدها من عناصر ذات كفاءة للاعتماد عليها في خدمة الوطن وبنائه وتطويره.
كما ان الفساد المستشري بين العديد من الناس لعدم القيام بأعمالهم بأمانة واخلاص،وأنهم لا يتمون أعمالهم لاسباب عديدة، فهؤلاء كالسوس ينخر في بناء الوطن ويهدمه.
لكن لا تصلح القمة الا اذا صلحت القاعدة، بتدريبها وتأهيلها منذ الصغر في المدارس وتحديث المناهج والتربية والتأسيس على أسس صحيحة.
التمييز ايضا امر واضح بين حرية التفكير والتعبير من حيث هي حق طبيعي او فطرة انسانية،وبين حرية التفكير والتعبير من حيث هي ثقافة وتاريخ ومواثيق دولية ودساتير وقوانين، تؤدي ثمرة العقول الحرة المبدعة للحضارة والتقدم والتطوير.
هذا يوصلنا للعمل بصبر وتضحية وتفان وبكل جد ومساواة،حتى نجتاز ازمتنا الاقتصادية ونخفض مديونيتنا التي تضاعفت عشرة اضعاف خلال الخمس والعشرين سنة الماضية،وارتفاع البطالة والغلاء وسوء تنفيذ الاعمال،دون تقدير للمواقف ودون ارتفاع لمستوى الحدث،والتعامل معه بكل ما لدى الخبراء من علم وخبرة لأنقاذ البلاد مما وصلت اليه .
أما البعد عن الاخلاق فهو احد أسباب عدم تكافؤ الفرص،وهو الابتعاد عن العدالة والمساواة وهذا الذي نبتعد به منذ الطفولة ولا نغذيه بمدارسنا،ونبتعد عن احترام المعلم الذي كنا نتغنى بالاحترام له ونقول:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
ايضا التمييز في المعاملات واضح بسبب الاختلاف في الجنس او الدين او لون البشرة او المركز الاجتماعي والمركز المالي بما لديه من دخل وثروة.
هذا التمييز وعدم المساواة يعود بسبب نقص في الاخلاق بين البشر.
يقول شوقي أمير الشعراء :
انما الامم الاخلاق ما بقيت فان هموا ذهبت اخلاقهم ذهبوا
ويقول:
اذا اصيب الناس في اخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا
لكن عندما نكبر وننوء بأعباء السنين،في القلب جروح وفي العقل بعض من خبرة الحياة،نتطلع في المرآة فلا نرى الشكل بل المضمون بداخل كل عجوز يتساءل ماذا جرى بعد ان شاب .
الكبر حتمي لكن النضج اختياري وهناك من يكبر ولا ينضج.
النضج لا علاقة له بالعمر فالقضية فهم واحساس وايضا قدرة على التفاعل مع الآخرين.
الكبر غير الشيخوخة،فهناك عجوز في العشرين وشاب في التسعين.
الشيخوخة مسألة ذهنية اذا لم تشعر بها لا تشيخ.
العمر مفهوم ومحدود ولكل منا مفهومه فنحن لا نتغير مع الزمن ولكننا نرى الاشياء بشكل مختلف.
حين نكبر نصبح اكثر واقعية فالطريق كان طويلا والمرحلة لم تكن سهلة .
الازمة ليست في كبر السن وانما في الحفاظ على اللياقة وقهر الاحباط الرمادي لون الواقعية والتأمل .
عند نقطة ما تدرك ان الاهم في العمر هو الطاقة .
لايهم كم تعيش ولكن كيف تعيش فالعبرة بالكيف وليس بالكم .
المثل الشعبي بان شخصا ذهب للمقبرة فوجد ان المتوفين كلهم باعمار صغيرة،سأل عن السبب فقيل له انهم يسجلون فقط الايام السعيدة قي حياتهم،فقال لهم عندما اموت اكتبي على قبري – مصطفى الهبر – من بطن امه للقبر .
لكل مرحلة طبيعتها فالعمر هو الزمن الذي اسعدك وهو البعد الرابع في الهندسة بعد الطول والعرض والارتفاع.
ربما تعيش طويلا لكن ليس لديك حياة فالتقدم في العمر ليس نقمة بل نعمة لا يحظى بها الجميع فالمهم الصحة وراحة البال.
الزمن يهدم او يدعم ونحن نختار فبالتأمل لا تكسب شيئا لكنك تخسر القلق والغضب.
كلما تقدم عمرك تغيرت مفاهيمك ورايت ما لم تكن تراه فنحن لا نصبح أكبر بل أكثر وعيا واكثر تجددا بشرط الا نفقد حماسنا وحبنا للحياة.
نحن لا نتوقف عن اللعب لاننا كبرنا بل نكبر حين نتوقف عن اللعب.
الشاب يكبر يوميا ويقرأ الحياة بشكل مختلف والكهل ينظر للحياة بانها قصيرة لئلا يضيعها بالاوهام ويتذكر الفرص وتكافئها وحبه لعدالتها ومساواتها.
dr.sami.alrashid@gmail.com