عندما يتحدث الناس عن عجائب الدنيا سواء أكانت سبعًا أم ألفًا يقتصر حديثهم على العمران والمنجزات المادية المرئية بالعين المجردة، واستغرب كيف لا يضاف الى تلك العجائب ما نسميه في ايامنا الميديا بمختلف ميادينها فهي التي تتحكم بالرأي العام، وتحول الخطأ الى صواب والوهم الى حقيقة، واحيانا تبرهن ببلاغتها الماكرة على ان الارض لا تدور بل تُدار وانها شبه منحرف وليست كروية، ذلك ببساطة لأن الانسان اصبح يجلس امام الشاشات سواء كبرت او صغرت عديم الحول والقوة وكأنه مجرد اسفنجة او كيس فارغ، ويكتشف بعد ساعة واحدة انه تائه وان الحقيقة في مكان آخر تماما !.
وبقدر ما تربك نشرات الاخبار والتعليقات دماغه فإن الاعلانات تربك جسده وحين يذهب في اليوم التالي الى سوبر ماركت او مول يملأ العربة التي يجرها بالقليل مما يحتاج والكثير مما لا حاجة له به !
الميديا حيوان عملاق وشبه اسطوري يلتهم الوقت بشراهة سمكة قرش ويقدم اجابات خاطئة ومدروسة جيدا بهدف التضليل على اسئلة واضحة وصريحة؛ لأن هذا الحيوان الاسطوري باختصار يحتاج الى علف على مدار اللحظة، ولا يشبع على الاطلاق .
كما انه يتقن الاجترار اكثر من البقرة لفرط ما يعيد البرامج والمشاهد، وفي الولايات المتحدة ذات الباع الاطول في الميديا صدرت عدة كتب تتمحور حول فكرة واحدة، هي التضليل والتلاعب بالعقول اضافة الى تبسيط المعقد وتعقيد البسيط ! وكانت الانتخابات الاخيرة نموذجا يستحق ان يوضع تحت المجهر لتحليله وتفكيك الغازه !
فكيف لا تصنّف الميديا باعتبارها اعجوبة العجائب كلها ما دامت تستطيع ان تكون مع الله والقيصر في لحظة واحدة ومع الملياردير مصدر الاعلانات وممولها ومع هيكل عظمي صومالي يتنفس ؟
العجائب السبع او العشر او الألف بناها بشر وحملوا حجارتها وماتوا بالملايين وكان معظمهم من السّخرة اما هذه الاعجوبة ذات الشاشات فقد صنعها متخصصون في فِقه التضليل وتهريب الحقائق !!
الدستور